تارُخ
اختلفوا فی اسم والد إبراهیم علیه السلام هل هو تارخ أو آزر؟ قال الله تعالی:«إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِين» (الأنعام:74)
اعتبر بعض المفسّرين أن آزر هو والد إبراهيم الحقيقي، و البعض یقول إن آزر ليس والد إبراهيم، بل قال بعضهم: إنّه كان جدّه لأمّه، و قال أكثرهم: إنّه كان عمه، و هم في ذلك يستندون إلى القرائن التّالية:
1- لم يرد في كتب التّأريخ أنّ أبا إبراهيم هو آزر، بل يقول التّأريخ إنّ اسم أبيه هو «تارخ» و هذا ما ورد أيضا في العهدين القديم و الجديد، و الذين يعتبرون آزر والد إبراهيم يستندون إلى تعليلات لا يمكن قبولها من ذلك أنّهم يقولون: إنّ اسم والد إبراهيم هو تارخ و لقبه آزر، و هذا القول لا تسنده الوثائق التّأريخية. أو يقولون: إنّ «آزر» اسم صنم كان أبو إبراهيم يعبده، و هذا القول لا يأتلف مع هذه الآية التي تقول أن أباه كان آزر، إلّا إذا قدرنا جملة أو كلمة، و هذا أيضا خلاف الظاهر.
2- يقول القرآن: «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ...» (التوبة:113) ثمّ لكيلا يتخذ أحد من استغفار إبراهيم لآزر حجّة يقول: «وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» (التوبة: 114) و ذلك لأنّ إبراهيم كان قد وعد آزر أن يستغفر له: «سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» (مریم:47) بأمل رجوعه عن عبادة الأصنام، و لكنّه عند ما رآه مصمما على عبادة الأصنام و معاندا، ترك الاستغفار له. يتّضح من هذه الآية بجلاء أن إبراهيم بعد أن يئس من آزر، لم يعد يطلب له المغفرة و لم يكن يليق به أن يفعل.كل القرائن تدل على أنّ هذه الحوادث وقعت عند ما كان إبراهيم شابا، يعيش في بابل و يحارب عبدة الأصنام. و لكن آيات أخرى في القرآن تشير إلى أن إبراهيم في أواخر عمره، و بعد الانتهاء من بناء الكعبة، طلب المغفرة لأبيه (في هذه الآيات لم تستعمل كلمة «أب» بل استعملت كلمة «والد» الصريحة في المعنى) حيث يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ... رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (ابراهیم: 39 و 41)
إذا جمعنا هذه الآية مع آية سورة التوبة التي تنهي المسلمين عن الاستغفار للمشركين و تنفي ذلك عن إبراهيم، إلّا لفترة محدودة و لهدف مقدس، تبيّن لنا بجلاء أنّ المقصود من «أب» في الآية المذكورة ليس «الوالد»، بل هو العم أو الجد من جانب الأمّ أو ما إلى ذلك، و بعبارة أخرى: إنّ «والد» تعطي معنى الأبوة المباشرة، بينما «أب» لا تفيد ذلك. و قد وردت في القرآن كلمة «أب» بمعنى العم، كما في الآية (133) من سورة البقرة: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً و الضمير في «قالوا» يعود على أبناء يعقوب، و كان إسماعيل عم يعقوب، لا أباه.
3- و هناك روايات إسلامية مختلفة تؤكّد هذا الأمر، فقد جاء في حديث معروف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: «لم يزل ينقلني اللّه من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية».
و لا شك أن أقبح أدناس الجاهلية هو الشرك و عبادة الأوثان، أما القائلون أنّ أقبحها هو الزنا فلا يقوم على قولهم دليل. خاصّة و انّ القرآن يقول: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة:28)
ينقل الطبري في تفسيره «جامع البيان» عن المفسّر المعروف «مجاهد» أنّه قال: لم يكن آزر والد إبراهيم .
و يؤكّد الآلوسي عند تفسير هذه الآية أنّ الشيعة ليسوا وحدهم الذين يعتقدون أن آزر لم يكن والد إبراهيم، بل إن كثيرا من علماء المذاهب الأخرى يرون أن آزر اسم عم إبراهيم .
و نقل السیوطي في كتابه «مسالك الحنفاء» عن أسرار التنزيل للفخر الرازي أن والدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أجداده لم يكونوا مشركين أبدا. مستدلا على ذلك بالحديث الذي نقلنا آنفا، ثمّ يستند السيوطي نفسه إلى مجموعتين من الرّوايات ....[1]
المنبع:
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 4، ص343 - 344
[1]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 4، ص343. مع شیء من التصرف فی العبارات.