التابعون
الأصل في هذه المادّة: التّبع، أي التّوالي، يقال: تبعت القوم و أتبعتهم و اتّبعتهم و تتبّعتهم أي سرت في إثرهم. و منه: التّابع، أي التّالي.[1]
اصطلح جماعة من العلماء على أنّ كلمة «التابعين» تعني تلامذة الصحابة، و جعلوها من مختصاتهم، أي أولئك الذين لم يروا النّبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، لكنّهم تصدوا لاكتساب العلوم الإسلامية و وسعوها، و بعبارة أخرى: إنّهم اكتسبوا علومهم الإسلامية من صحابة النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم.[2]
قال تعالی:«وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»[3] و المراد بالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ التابعون بأفعال الخير و الدخول في الإسلام بعدهم و سلوك منهاجهم و يدخل في ذلك من يجي ء بعدهم إلى يوم القيامة.[4]
قال الطباطبائی: ذكر الله سبحانه ثالث الأصناف و لم يقيده بتابعي عصر دون عصر و لا وصفهم بتقدم و أولية و نحوهما و كان شاملا لجميع من يتبع السابقين الأولين و لازم ذلك أن يصنف المؤمنون غير المنافقين من يوم البعثة إلى يوم البعث في الآية ثلاثة أصناف: السابقون الأولون من المهاجرين، و السابقون الأولون من الأنصار، و الذين اتبعوهم بإحسان، و الصنفان الأولان فاقدان لوصف التبعية و إنما هما إمامان متبوعان لغيرهما و الصنف الثالث ليس متبوعا إلا بالقياس.
و إنا نجده تعالى في كتابه لا يذم من الاتباع إلا ما كان عن جهل و هوى كاتباع المشركين آباءهم، و اتباع أهل الكتاب أحبارهم و رهبانهم و أسلافهم عن هوى و اتباع الهوى و اتباع الشيطان فمن اتبع شيئا من هؤلاء فقد أساء في الاتباع و من اتبع الحق لا لهوى متعلق بالأشخاص و غيرهم فقد أحسن في الاتباع و من الإحسان في الاتباع كمال مطابقة عمل التابع لعمل المتبوع و يقابله الإساءة فيه. فالظاهر أن المراد بالذين اتبعوهم بإحسان أن يتبعوهم بنوع من الإحسان في الاتباع و هو أن يكون الاتباع بالحق- و هو اتباعهم لكون الحق معهم- و يرجع إلى اتباع الحق بالحقيقة بخلاف اتباعهم لهوى فيهم أو في اتباعهم. هذا ما يظهر من معنى الاتباع بإحسان.
و الحكم بالفضل و رضى الله سبحانه في الآية مقيد بالإيمان و العمل الصالح على ما يعطيه السياق ... فان لازم عدم تقييد الحكم في هذه الآية تقييد جميع الآيات الدالة على الجزاء و المشتملة على الوعيد و التهديد، و هي آيات جمة في تقييدها اختلال نظام الوعد و الوعيد و إلغاء معظم الأحكام و الشرائع، و بطلان الحكمة. بمعنى أن الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين و الأنصار و التابعين من آمن به و عمل صالحا، لا أن من صدق عليه أنه مهاجر أو أنصاري أو تابع فإن الله قد رضي عنه رضا لا سخط بعده أبدا و أوجب في حقه المغفرة و الجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء، اتقى أو فسق.[5]
و عن جماعة من أصحاب النبي يقولون: لما أنزلت هذه الآية قال رسول الله: هذا لأمتي كلهم، و ليس بعد الرضا سخط. معناه أن من رضي الله عنهم و رضوا عنه هم الذين جمعتهم الآية لا أن الآية تدل على رضاه تعالى عن الأمة كلهم فهذا مما يدفعه الكتاب بالمخالفة القطعية.[6]
المنابع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 7، ص 617
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 6، ص 185
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 5، ص 98
الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 373
[1]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 7، ص 617
[2]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 6، ص 185
[3]لتوبة: 100
[4]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 5، ص 98
[5]الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 373
[6]الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 382