الطوفان
الطوفان السيل الذي يعم بتعريفه الأرض و هو مأخوذ من الطوف فيها.[1] و قال الراغب: هو كلُّ حادثة تحيط بالإنسان، و على ذلك قوله:«فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِين»[2] . و صار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أنّ الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء قال تعالى: « وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُون »[3] . [4]
ذکر الطوفان مرتین فی القرآن کما اشار الیه الراغب:
فالاولی بشأن قوم فرعون؛ لما آمنت السحرة و رجع فرعون مغلوبا و أبى هو و قومه إلا الإقامة على الكفر ... بعث الله عليهم الطوفان فضرب دورهم و مساكنهم حتى خرجوا إلى البرية و ضربوا الخيام و امتلأت بيوت القبط ماء و لم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة و أقام الماء على وجه أرضيهم لا يقدرون على أن يحرثوا فقالوا لموسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فنؤمن لك و نرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الطوفان...فلم يؤمنوا و لم يخلوا عن بني إسرائيل.[5]
و الثانیة بشأن قوم نوح؛ فانطوى طومار حياتهم الذليلة، و غرقت قصورهم و أجسادهم و آثارهم في الطوفان و أمواجه . فهل كان طوفان نوح مستوعبا للعالم؟
من خلال ظاهر الآيات يبدو لنا أنّ الطوفان لم يكن لمنطقة من الأرض دون أخرى، بل غطى كل سطح الأرض، و هكذا ذكر كثير من المؤرخين أنّ طوفان نوح كان عالميا، و لذلك يرجع نسل جميع البشر اليوم إلى واحد من أبناء نوح و في التاريخ الطبيعي نعثر على فترة تدعى فترة الأمطار ذات السيول، فلو لم تكن هذه الفترة الزمنية قبل تولّد الحيوانات، فهي تنطبق على طوفان نوح. كما أنّ مسألة اختيار نوح عليه السّلام من كل نوع من الحيوانات زوجين و حملها معه على السفينة يؤيد كون الطوفان عالميّا أيضا، و إذا عرفنا أنّ نوحا كان يسكن الكوفة و أن طرف الطوفان و حافته كان في مكّة و بيت اللّه الحرام فهذا نفسه أيضا مؤيد لعالميّة الطوفان.
و لكن مع هذه الحال، فلا يبعد أن يكون الطوفان في منطقة معينة من الأرض، لأنّ إطلاق الأرض على المنطقة الواسعة من العالم تكرر في عدد من آيات القرآن و حمل الحيوانات في السفينة ربّما كان لئلا ينقطع نسلها في ذلك القسم من الأرض، خصوصا أن نقل الحيوانات و انتقالها في ذلك اليوم لم يكن أمرا هيّنا. و هناك قرائن أخرى منها أنّ طوفان نوح كان بمثابة العقاب لقومه، و ليس لنا دليل على أن دعوة نوح شملت الأرض كلها، و عادة فإنّ وصول دعوة نوح في مثل زمانه إلى جميع نقاط الأرض أمر بعيد.[6]
المنابع:
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 6، ص 537
مفردات ألفاظ القرآن، ص 531
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 720
[1]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 720
[2]الاعراف: 133
[3]العنکبوت: 14
[4]مفردات ألفاظ القرآن، ص 531
[5]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 720
[6]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 6، ص 537