أصحاب الأعراف
جاء ذکر الأعراف فی قوله تعالی:«وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ... وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ ...»[1]
و قد اشتد الخلاف في معنى الأعراف:
فمن قائل: أنه شي ء مشرف على الفريقين.
و قيل: سور له عرف كعرف الديك.
و قيل: تل بين الجنة و النار جلس عليه ناس من أهل الذنوب.
و قيل: السور الذي ذكره الله في القرآن بين المؤمنين و المنافقين.
و قيل: معنى الأعراف التعرف أي على تعرف حال الناس رجال.
و قيل: هو الصراط.
ثم اختلفوا في الرجال الذين على الأعراف على أقوال أنهيت إلى اثني عشر قولا:
أنهم أشراف الخلق الممتازون بكرامة الله.
أنهم قوم استوت حسناتهم و سيئاتهم فلم يترجح حسناتهم حتى يدخلوا الجنة و لا غلبت سيئاتهم حتى يؤمروا بدخول النار فأوقفهم الله تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنة و النار ثم يدخلهم الجنة برحمته.
أنهم أهل الفترة.
أنهم مؤمنوا الجن.
أنهم أولاد الكفار الذين لم يبلغوا في الدنيا أوان البلوغ.
أنهم أولاد الزنا.
أنهم أهل العجب بأنفسهم.
أنهم ملائكة واقفون عليها يعرفون كلا بسيماهم، و إذا أورد عليهم أن الملائكة لا تتصف بالرجولية و الأنوثية قالوا: إنهم يتشكلون بأشكال الرجال.
أنهم الأنبياء (ع) يقامون عليها تمييزا لهم على سائر الناس و لأنهم شهداء عليهم.
أنهم عدول الأمم الشهداء على الناس يقومون عليها للشهادة على أممهم.
أنهم قوم صالحون فقهاء علماء.
أنهم العباس و حمزة و علي و جعفر يجلسون على موضع من الصراط يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، و مبغضيهم بسوادها ذكر الآلوسي في روح المعاني، أن هذا القول رواه الضحاك عن ابن عباس.[2]
لم يذكر الأعراف في القرآن إلا في هذه الآيات الأربع من سورة الأعراف (46- 49) و قد استنتج باستيفاء البحث في الآيات الشريفة أنه من المقامات الكريمة الإنسانية التي تظهر يوم القيامة، و قد مثله الله سبحانه بأن بين الدارين دار الثواب و دار العقاب حجابا يحجز إحداهما من الأخرى- و الحجاب بالطبع خارج عن حكم طرفيه في عين أنه مرتبط بهما جميعا- و للحجاب أعراف و على الأعراف رجال مشرفون على الناس من الأولين و الآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم و درجاتهم و دركاتهم من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، و يعرفون كلا منهم بما له من الحال الذي يخصه و العمل الذي عمله، لهم أن يكلموا من شاءوا منهم، و يؤمنوا من شاءوا، و يأمروا بدخول الجنة بإذن الله.
و يستفادوا من ذلك أن لهم موقفا خارجا من موقفي السعادة التي هي النجاة بصالح العمل، و الشقاوة التي هي الهلاك بطالح العمل، و مقاما أرفع من المقامين معا و لذلك كان مصدرا للحكم و السلطة عليهما جميعا.
و لك أن تعتبر في تفهم ذلك بما تجده عند الملوك و مصادر الحكم فهناك جماعة منعمون بنعمتهم مشمولون لرحمتهم يستدرون ضرع السعادة بما تشتهيه أنفسهم، و آخرون محبوسون في سجونهم معذبون بأليم عذابهم قد أحاط بهم هوان الشقاوة من كل جانب فهذان ظرفان ظرف السعادة و ظرف الشقاوة، و الظرفان متمايزان لا يختلطان بظرف آخر ثالث يحكم فيهما و يصلح شأن كل منهما و ينظم أمره و في هذا الظرف قوم خدمة يخدمون العرش بمداخلتهم الجانبين و إهداء النعم إلى أهل السعادة، و إيصال النقم إلى أهل الشقاوة، و هم مع ذلك من السعداء، و قوم آخر وراء الخدمة و العمال هم المدبرون لأمر الجميع و هم أقرب الوسائط من العرش، و هم أيضا من السعداء، فللسعادة مراتب من حيث الإطلاق و التقييد.
و ليس من الممتنع على ملك يوم الدين أن يخص قوما برحمته فيدخلهم بحسناتهم الجنة و يبسط عليهم بركاته بما أنه الغفور ذو الفضل العظيم، و يدخل آخرين في ناره و دار هوانه بما عملوه من سيئاتهم و هو عزيز ذو انتقام شديد العقاب ذو البطش، و يأذن لطائفة ثالثة أن يتوسطوا بينه و بين الفريقين بإجراء أوامره و أحكامه فيهم أو إصدارها عليهم بإسعاد من سعد منهم و إشقاء من شقي فإنه الواحد القهار الذي يقهر بوحدته كل شي ء كما شاء بتوسيط أو إسعاد أو إشقاء، و قد قال تعالى: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» فافهم.[3]
و قال أبو جعفر الباقر علیه السلام: «هم آل محمد ع لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه» . و قال أبو عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام: «الأعراف كثبان بين الجنة و النار فيقف عليها كل نبي و كل خليفة نبي مع المذنبين من أهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده و قد سيق المحسنون إلى الجنة فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سيقوا إلى الجنة فيسلم المذنبون عليهم و ذلك قوله «وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ».[4]
المنابع:
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 653
الميزان في تفسير القرآن، ج 8، ص 126
[1]الأعراف: 46 – 48
[2]الميزان في تفسير القرآن، ج 8 ، ص 126
[3]الميزان في تفسير القرآن، ج 8، ص 133
[4]مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 653