يوسف‏ علیه السلام
المجموعات : الأنبیاء

يوسف عليه السلام

هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السّلام، و أمّه راحيل. أحد أنبياء بني إسرائيل، و كان راسخ الإيمان، صدّيقا، تقيّا، عفيفا، صابرا، آية في الجمال، و من أحسن الناس وجها.

ولد في فدان آرام في العراق، و نشأ في الشام تحت رعاية و تربية أبيه يعقوب عليه السّلام، فترعرع على التقوى و الصلاح.

كان له أحد عشر أخا و هم: راوبين، و شمعون، و لاوي، و يهوذا، و يساكر، و زبولون، و دان، و نفتالي، و جاد، و أشير، و بنيامين الذي كان من أمّه و أبيه، و لم يتشرّف أحد منهم بشرف النبوّة إلّا يوسف عليه السّلام.

كان أثيرا عند أبيه، يخصّه بمحبّة خاصّة و حنان شديد، و يقدّمه على بقية إخوته، فكان ذلك سببا في حسدهم له و حقدهم عليه.

لمّا بلغ يوسف عليه السّلام السابعة عشرة من عمره، و قيل: قبل أن يحتلم، و قيل: في صغر سنه رأى في عالم الرؤيا أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر ساجدين له، فقصّ رؤياه على أبيه، فحذّره أبوه من أن يقصّ تلك الرؤيا على إخوته فيكيدوا له. و بمرور الأيّام ازداد حسد و حقد إخوته عليه، و أخيرا دبّروا مؤامرة و أخرجوه إلى خارج البلد ليرتع و يلعب معهم، و عمره يومئذ 7 سنوات، و قيل: 14 سنة، و قيل: 17 سنة، فألقوه في بئر قليلة الماء، و عادوا إلى أبيهم يبكون و يدّعون بأنّ ذئبا افترسه. و لم يلبث يوسف عليه السّلام في البئر طويلا حتّى مرّت على البئر قافلة، فأخرجوه من البئر و حملوه معهم إلى مصر، و بمدينة صان المصريّة باعوه على رئيس شرطة مصر المدعوّ فوطيفار، و قيل: قطفير، و قيل: اطفير بن روحيب، فأحبّه و جعله صاحب الأمر و النهي في قصره، ثمّ اتّخذه ولدا.

كانت زوجة رئيس الشرطة زليخا- و قيل: راعيل بنت رعائيل، و قيل: فكا بنت ينوس- شغفت بيوسف عليه السّلام حبّا، و عشقته؛ لجماله المفرط و غضارة شبابه، و كانت تزداد له عشقا كلّما مرّت الأيّام و الليالي، فأخذت تداعبه و تلاشيه و تغريه بمفاتنها و حلو منطقها، و لكنّ يوسف عليه السّلام المؤمن التقيّ كان يعرض عنها و لا يبادلها الحبّ و المداعبة.

في أحد الأيّام طغى عليها الحبّ و العشق، و نست حياءها و عفّتها، و أدخلته في غرفة و غلّقت الأبواب، و طلبت منه مواقعتها و شفاء غليلها، و لكنّ يوسف عليه السّلام الأمين الوفيّ و المنزّه من جميع أنواع الفحشاء أبى الرضوخ لمطلبها، فأخذت تجاذبه ثوبه و هو يفلت منها، و في هذا الجوّ الرهيب دخل عليهما زوجها فرآهما في تلك الحالة، و بعد نقاش طويل ثبت لدى الزوج بأنّ زوجته هي التي أرادت الفاحشة، و راودت يوسف عليه السّلام عن نفسه، و أنّه بري ء ممّا تدّعيه زليخا بأنّه أراد بها سوءا، فطلب من يوسف عليه السّلام كتمان القضيّة، و طلب من زليخا الاستغفار من خطيئتها و ذنبها.

شاع خبر مراودة زليخا ليوسف عليه السّلام بين الناس، و تداولته النساء بامتعاض و لوم زليخا على تلك الحادثة الضالّة، فقامت زليخا بالدفاع عن دوافع عملها، فأقامت وليمة لنظيراتها من أشراف النساء، و قدّمت لهنّ الأترجّ، و أعطت كلّ واحدة منهنّ سكّينا لتقشير الأترجّ، ثمّ أدخلت عليهنّ يوسف عليه السّلام، فبهرن لجماله، و عجبن من لطيف محاسنه، فصرن يقطّعن أصابعهنّ بدل الأترجّ لانشغالهنّ بحسنه و جماله الفتّان، و لمّا رأين جريان الدم من أصابعهنّ و هنّ لم يشعرن بألم الجراح أعطين الحقّ لزليخا في تعشّقها ليوسف عليه السّلام، و مراودتها له. و بعد أن فشا أمر زليخا بين جماهير مصر قرّر زوجها زجّ يوسف عليه السّلام في السجن؛ ليبعد التهمة عن زليخا، و يلصقها بيوسف عليه السّلام.

زجّ زوج زليخا مع يوسف عليه السّلام في السجن رجلين: أحدهما رئيس خبّازي الملك و يدعى نبوا، و الثاني رئيس سقاة الملك و يدعى مجلث، و في اليوم الثاني جاءه رئيس السقاة و قال: إنّه رأى في المنام يعصر الخمر في كأس الملك، ثمّ جاء رئيس الخبّازين و ادّعى أنّه رأى في عالم الرؤيا يحمل طبقا فيه عدّة أرغفة و الطير تأكل منه، فطلبا منه تعبير رؤياهما، فقال يوسف عليه السّلام لرئيس السقاة: أمّا أنت ستسقي الملك خمرا. و أما أنت يا رئيس الخبّازين سوف تصلب و تأكل الطير من رأسك.

و بعد مكوث يوسف عليه السّلام في السجن عدّة سنوات رأى الريّان بن الوليد العماليقيّ- فرعون مصر- في عالم الرؤيا: سبع بقرات جميلات يرتعن في روضة، ثمّ رأى سبع بقرات عجاف قبيحات يأكلن البقرات السبع الجميلات، ثمّ رأى سبع سنابل يانعات و خلفها سبع سنابل يابسات، ثمّ هجمت اليابسات على اليانعات فأكلتها.

استيقظ فرعون من منامه مرعوبا كئيبا منزعجا ممّا رآه، فدعا بمفسّري الأحلام و السحرة لتأويل رؤياه، فلم يتوصّلوا إلى ما يقنع فرعون و يسكّن من روعه، فجاء رئيس السقاة إلى فرعون و دلّه على يوسف عليه السّلام المحبوس بأمر رئيس الشرطة، و أعلمه أنّه خبير في تعبير الرؤيا، فأرسل فرعون رئيس سقاته إلى يوسف عليه السّلام ليعبّر ما رآه فرعون في منامه، فقال يوسف عليه السّلام لرئيس السقاة: قل لفرعون يأتي على مصر سبع سنوات تجود الأرض فيها بالخيرات و البركات، ثمّ تعقبها سبع سنوات تجدب فيها الأرض حيث لا زرع و لا غلّات و لا خيرات، ثمّ تليها سبع سنوات كلّها خير و بركات، فعلى ولاة الأمور بمصر الاقتصاد في سنوات الخصب و الخير، و خزن الفائض من قوتهم لسنيّ جدبهم حتّى يأتيهم الخصب.

لمّا أخبر رئيس السقاة فرعون بتأويل يوسف عليه السّلام لرؤياه فرح فرحا شديدا، و أمر بإحضار يوسف عليه السّلام إليه، و لكنّ يوسف عليه السّلام طلب من رسول فرعون أن يحضر النساء اللاتي قطّعن أيديهنّ، و يسألهنّ فرعون عن موقف يوسف عليه السّلام بالنسبة لزليخا من جهة، و بالنسبة إليهنّ من جهة أخرى، فأحضر فرعون النساء و سألهنّ عمّا جرى لهنّ مع يوسف عليه السّلام بعد أن راودنه عن نفسه، فأجمعن على براءته و عفّته و نبله. و بعد تلك المحاورة اعترفت زليخا أمام فرعون بمراودة يوسف عليه السّلام، و أعلنت براءته من الزنى و الفحشاء.

و بعد أن ثبتت براءة يوسف عليه السّلام و هو ابن 30 سنة أحبّه فرعون لإدراكه و حنكته و رجاحة عقله و حسن أخلاقه، فجعله من خاصّته، و عيّنه آمرا على كلّ الأراضي المصريّة، و منحه صلاحيّة الأمر و النهي و التعيين و العزل و اتّخاذ القرارات و تسيير أمور الدولة، و زوّجه من اسنات بنت فوطي فارع كاهن البلاد المصريّة، و أصدر أمرا بعزل رئيس الشرطة زوج زليخا من منصبه، و ولى يوسف عليه السّلام مكانه.

انقضت السنوات السبع المخصبات و يوسف عليه السّلام يخزن الغلّات و يدّخرها للسنوات المجدبات التي تلتها، فتمكّن بحسن تدبيره من أن يخلّص المصريّين من القحط و الجدب و الجوع، و أن يوفّر لهم الغذاء الكافي و ما يحتاجونه من الغلّات. و في سنوات القحط و الجدب بمصر مرّت على فلسطين ما مرّ على مصر، فشمل أهلها الجوع و القحط، ممّا اضطرّهم على القدوم إلى مصر لاقتناء الطعام و الغلّات و حملها إلى فلسطين، فكان من جملة من قدموا إلى مصر أولاد نبيّ اللّه يعقوب عليه السّلام إخوة يوسف، حيث أرسلهم أبوهم لشراء الطعام و حمله إلى فلسطين، فلمّا دخلوا مصر رآهم يوسف عليه السّلام، و هو ابن 40 سنة، فعرفهم و هم يجهلونه، و كانوا بأكملهم عدا بنيامين الذي هو أخو يوسف عليه السّلام لأمّه و أبيه.

و بعد أن اشتروا ما أرادوا من الطعام قال لهم يوسف عليه السّلام في سفرتكم القادمة ائتوني بأخ لكم من أبيكم، و إن لم تأتوني به لا أبيعكم ما تبغون. و لمّا زاروا مصر ثانية دخلوا على يوسف عليه السّلام و معهم بنيامين، ففرح بهم يوسف عليه السّلام، و أمر بضيافتهم في بيته.

و بعد أن بقي إخوته عنده عدّة أيّام جهّزهم بما يريدون من طعام بدون مقابل، و وضع طاسة شرب الماء سرّا في حمل بنيامين، و لمّا ساروا قليلا نودي عليهم بسرقة الطاسة، و في الوهلة الأولى أنكروا ذلك و قالوا: من وجدتم الطاسة في حمله خذوه عبدا للملك، و بعد أن فتشت رحالهم وجدوها في رحل بنيامين، فأسقط ما في يد إخوة يوسف، و حاولوا شتّى المحاولات لتبرئته و إنقاذه من يوسف عليه السّلام فلم يوفّقوا، فعادوا إلى أبيهم و أخبروه بجريمة بنيامين، فحزن يعقوب عليه السّلام حزنا شديدا، و اشتدّ بكاؤه حتّى عميت عيناه، و أضيفت إلى مصيبته بيوسف عليه السّلام مصيبة بنيامين.

و لمّا كان يعقوب عليه السّلام راسخ الإيمان باللّه، أمر أولاده أن يسافروا مرّة أخرى إلى مصر لشراء الطعام و البحث عن يوسف عليه السّلام و بنيامين، و لم ييأسوا من رحمة اللّه و لطفه، فلمّا دخلوا مصر و زاروا يوسف عليه السّلام طلبوا منه إطلاق سراح بنيامين، فعند ذاك عرّفهم بنفسه و طلب منهم أن يكفّروا و يتوبوا إلى اللّه عمّا فعلوه معه، و دفع إليهم قميصه ليلقوه على وجه أبيهم فيعود بإذن اللّه بصيرا، و أمرهم بأن يأتوا إليه بجميع أهلهم.

رجع إخوة يوسف عليه السّلام إلى فلسطين، و دخلوا على أبيهم و ألقوا قميص يوسف عليه السّلام على وجهه فارتدّ بصيرا، ثمّ رجلوا إلى مصر و كانوا ثلاثة و ستين شخصا، و قيل: ثلاثة و ثمانين، و قيل: ثلاثمائة و تسعين فردا، فدخلوا على يوسف عليه السّلام، و سجدوا له؛ طاعة و تعظيما للّه، و تحيّة ليوسف عليه السّلام، و تعانقوا و تبادلوا كلمات التحيّة و الودّ، فاجتمع شملهم بعد فراق طال 80 سنة، و قيل: 40 سنة، و قيل: 83 سنة، و قيل: 35 سنة و قيل: 18 سنة. و في سنوات الجدب مات زوج زليخا، ثمّ دعاها يوسف عليه السّلام إلى بيته، و كانت قد طعنت في السنّ و هرمت، فاعترفت بذنبها و ابتلائها بحبّه و شغفها به، فطلبت منه أن يسأل اللّه بأن يردّ عليها شبابها، فاستجاب اللّه لطلبها و ردّ عليها شبابها، فعند ذاك تزوّجها يوسف عليه السّلام و هي بكر؛ لأنّ زوجها كان عنّينا لا يأتي النساء، فولدت له ولدين، سمّيا أفرايم و منسا أو منشا أو ميشا. و لم يزل يوسف عليه السّلام متصدّيا لأعباء النبوّة من جهة، و حكم البلاد المصريّة من جهة أخرى حتّى توفّي بمصر عن عمر قارب 120 سنة، و قيل: 110 سنوات، و أوصى بأن يحمل جثمانه إلى فلسطين و يدفن عند آبائه، فبعد وفاته حنّطوه و جعلوه في تابوت من مرمر و دفنوه في نهر النيل بالقرب من مدينة منف، فبقي مدفونا هناك حتّى زمان موسى بن عمران عليه السّلام الذي أمر بنقله إلى فلسطين، فدفنوه في مغارة المكفيلة في حبرون عند قبور أجداده، و قيل: قبره بمدينة نابلس التي كانت تدعى شخيم أو شكيم، و قيل: قبره بمصر عند جبل المقطم.

القرآن المجيد و نبيّ اللّه يوسف عليه السّلام :

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ ... (الأنعام 84)

إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ ... * قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ...* وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ...* لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا ...* اقْتُلُوا يُوسُفَ ... * قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ...* قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ ...* أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ ... * قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ... * قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ ... * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ... * وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ... * وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ... * قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ ... * وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ ... * وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ... * الی آخر الآیات من سورة یوسف.

وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ ... (غافر 34).[1]

المنبع:

أعلام القرآن، ص 1072-1087

 

[1]أعلام القرآن، ص 1072-1087