الآخرة
الآخرةُ مؤنّث آخر على وزن فاعل، مقابل الأوّل والمتقدّم. جاء في «العين »: الآخِر والآخرة: نقيض المتقدّم والمتقدّمة، ومقدّم الشي ء ومؤخّره.[1]
يسمّي القرآن الكريم الحياة قبل الموت بالحياة الاولى، والحياة ما بعد الموت بالحياة الآخرة: «لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَ الْآخِرَةِ».[2] وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى ».[3] الحقيقة أنّ القرآن الكريم ومعه الأحاديث الإسلامية يستعملان كلمة «الآخرة» في واحد من أبرز مصاديقها اللغوية، من هذا المنطلق يجي ء جواب النبيّ صلى الله عليه و آله ليزيد بن سلام عندما سأله: أخبرني لِمَ سُمّيت الآخرةُ آخرةً؟ حين قال له: لِأَنَّها مُتَأَخِّرَةٌ تَجي ءُ مِن بَعدِ الدُّنيا، لا توصَفُ سِنينُها، ولا تُحصى أيّامُها، ولا يَموتُ سُكّانُها.
لقد جاءت مفردة الآخرة في القرآن صفةً ل «النشأة» تارة، كما في قوله سبحانه «ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ»[4] ، كما جاءت تارة اخرى صفةً ل «الدار» في مثل قوله تعالى: «وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ»[5] ، كما استعملت أيضاً كمضافٍ إلى «الدار» كما في قوله: «وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ»[6] ، وكذلك صفةً ل «يوم» كما في قوله: «مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ».[7] بيد أنّ ما يلاحظ هو حذف الموصوف في أغلب الموارد، حيث استعملت الآخرة في مقابل الدنيا في الدلالة على الحياة ما بعد الموت. على حين ليست القيامة في حقيقتها إلّاواحدة من منازل الآخرة.
لقد تكرّرت هذه المفردة (143) مرّةً في القرآن الكريم؛ منها (4) مرّات بالمعنى اللّغوي، و (139) مرّة بمعنى الحياة بعد الموت، وقد وردت بهذا المعنى الأخير بصيغٍ متعدّدة، إذ جاءت (88) مرّةً بلفظ «الآخِرة»، و (22) مرّةً بلفظ «بِالآخِرة»، و (3) مرّات بلفظ «لَلآخِرة»، و (26) مرّةً بلفظ «الآخِر» مسبوقاً بكلمة «اليوم».
خصائص الآخرة: تتمثّل أهمّ خصائص الآخرة وأبرز نقاط تفارقها مع الدنيا، بالنقاط التالية:
دارُ القرار:الدنيا محلّ عبور الإنسان؛ لذلك وَصَفتها النصوص بأنّها ممرّ ومجاز، أمّا الآخرة فهي دار قرار ومقام.
دار البقاء: الدنيا دار بُلغة للإنسان والآخرة مقرّه الباقي الخالد.
دار الحيوان : الحياة الدنيا من منظار القرآن هي لهو ولعب، مقارنةً بالآخرة، فالإنسان لا يرغد بالمعيشة، ولا يذوق طعم الحياة الحقيقي، ولا ينعم بمعنى الحياة ويدركه بحقيقته إلّا في الدار الآخرة.
سيادة الحقّ المطلقة: الدنيا موضع بلاء الإنسان ومحلّ اختباره، ومن ثَمَّ قد امتزج فيها الحقّ والباطل واختلطا، أمّا الآخرة فهي دار تجلّي الحقّ وظهور نتيجة التمحيص والاختبار والابتلاء، ولن يسود فيها إلّاالحقّ المطلق.
شهود الحقائق الغيبية: يرى الناس كافّة، الحقائق الغيبية في الآخرة، ويتجلّى لهم عياناً ما وعدهم اللَّه به في دار الدنيا، وبالنتيجة فما كان يعدّ غيباً لهم في الدنيا يتحوّل في الآخرة إلى شهادة وعيان وحضور، إذ يبلغ الناس رتبة اليقين في دار اليقين.
دار الثواب والعقاب : الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء، بيدَ أنّ الجزاء ليس من ضرب الثواب والعقاب الدنيوي، بل فعل الإنسان وعمله في هذه الدار هو جزاؤه، يراه حاضراً أمامه.
صعوبة الطريق : من الخصوصيات البارزة للآخرة أنّ أنّ طريق الآخرة الذي ينتهي بصاحبه إلى الجنّة محفوف بالمكاره والمشاقّ على حين أنّ طريق الدنيا الذي ينتهي بصاحبه إلى النار محفوف بالشهوات ومثقل بالأهواء.
الكفاءة والاستحقاق : لذائذ الدنيا ورغائبها وما يتحقّق فيها للإنسان من مكاسب، لا يرتبط بالضرورة بمعيار الكفاءة والجدارة والاستحقاق، أمّا عطاءات الآخرة ومواهبها فهي تُدرَك بالجدارة وتتبع الاستحقاق.
إحاطة الدنيا بالآخرة: آخر خصيصة بارزة من خصائص الآخرة أنّها تحيط بالدنيا، بمعنى أنّ الآخرة موجودة الآن، وجهنّم تحيط الآن بمن هم أهلها، والجنة تحيط الآن بمستحقّيها.[8]
المنبع:
الدنيا و الآخرة في الكتاب و السنة، ص 385
[1]العين: ص 39.
[2]القصص: 70.
[3]الليل: 13.
[4]العنكبوت: 20.
[5]العنكبوت: 64. وراجع: القصص: 83.
[6]يوسف: 109.
[7]البقرة: 8.
[8]الدنيا و الآخرة في الكتاب و السنة، ص 385