الشیطان
الشَّيْطَان من شَطَنَ أي تباعد، و قيل: بل من شَاطَ ای احترق غضبا، فَالشَّيْطَان مخلوق من النار كما دلّ عليه قوله تعالى: «وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ»[1] . و لكونه من ذلك اختصّ بفرط القوّة الغضبيّة و الحميّة الذّميمة، و امتنع من السّجود لآدم. قال أبو عبيدة: الشَّيْطَانُ اسم لكلّ عارم من الجنّ و الإنس و الحيوانات. قال تعالى: «شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ »[2] «وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ »[3] أي: أصحابهم من الجنّ و الإنس. قوله:«كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ »[4] قيل: هي حيّة خفيفة الجسم، و قيل: أراد به عارم الجنّ، فتشبّه به لقبح تصوّرها. و قوله: «وَ اتبَعُوا ما تتْلُوا الشَّياطِينُ »[5] فهم مردة الجنّ، و يصحّ أن يكونوا هم مردة الإنس أيضا. و سمّي كلّ خلق ذميم للإنسان شَيْطَاناً «الْحَسَدُ شَيْطَانٌ وَ الْغَضَبُ شَيْطَانٌ».[6]
جاء ذکر الشیطان و الشیاطین فی کثیر من الآیات القرآنیة و بیّنت الآیات حقیقته و افعاله من الوسوسة و الاضلال و الاغواء و غیرها.
كلمة الشيطان هو الخبيث و الوضيع. و الشيطان تطلق على الموجود المتمرد العاصي، إنسانا كان أو غير إنسان، و تعني أيضا الروح الشريرة البعيدة عن الحق. و بين كل هذه المعاني قدر مشترك. و الشّيطان اسم جنس عام، و إبليس اسم علم خاص، و بعبارة اخرى، الشيطان كل موجود مؤذ مغو طاغ متمرّد، إنسانا كان أم غير إنسان، و إبليس اسم الشيطان الذي أغوى آدم و يتربّص هو و جنده الدوائر بأبناء آدم دوما.
من مواضع استعمال هذه الكلمة في القرآن يفهم أن كلمة الشيطان تطلق على الموجود المؤذي المضر المنحرف الذي يسعى إلى بث الفرقة و الفساد و الاختلاف. و يشمل حتى أفراد البشر المفسدين المعادين للدعوة الإلهية، و أطلقت على إبليس أيضا بسبب فساده و انحرافه. و الميكروبات المضرّة تشملها كلمة الشيطان أيضا، كما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: «لا يطوّلنّ أحدكم شاربه فإنّ الشّيطان يتّخذه مخبئا يستتر به».
يثار أحيانا سؤال عن سبب خلق هذا الموجود المضل المغوي. فنقول:لم يخلق اللّه الشيطان، شيطانا. و الدليل على ذلك وجوده بين ملائكة اللّه و على الفطرة الطاهرة. لكنه بعد تحرره أساء التصرف، و عزم على الطغيان و التمرّد. ثانيا: وجود الشيطان لا يسبب ضررا للأفراد المؤمنين، و لطلاب طريق الحق، في منظار نظام الخليقة. بل إنه وسيلة لتقدمهم و تكاملهم، إذ إن التطوّر و التقدّم يتم من خلال صراع الأضداد. و بعبارة أوضح قوى الإنسان و طاقاته الكامنة لا تتأهب و لا تتفجر إلّا حينما يواجه الإنسان عدوا قويا. هذا العدو يؤدّي إلى تحريك طاقات الإنسان و بالتالي إلى تقدّمه و تكامله.[7]
المنابع:
مفردات ألفاظ القرآن، ص 454
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 172
[1]الرحمن: 15
[2]الانعام: 112
[3]البقرة: 14
[4]الصافات: 65
[5]البقرة: 102
[6]مفردات ألفاظ القرآن، ص 454
[7]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 172