الحام
الأصل في هذه المادّة الحمى، و هو موضع فيه كلأ يمنع النّاس من الرّعي فيه، ثمّ توسّع فيه و استعمل في كلّ منع و شدّة. و الحامي: الفحل من الإبل يضرب الضّراب المعدود، قيل: عشرة أبطن، فيترك فلا ينتفع منه بشي ء، و لا يمنع من ماء و لا مرعى، و هي الحوامي.
قال تعالی: «ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ»[1] اختلف فيه على أقوال، فقيل: هو الفحل إذا لقح ولد ولده، أو ينتج من صلبه عشرة أبطن، فيظهر من بين أولاده عشر إناث من بناته و بنات بناته، أو ينتج له سبع إناث متواليات، أو يضرب في الإبل عشر سنين. و قيل: هي النّاقة إذا أنتجت عشرة أبطن. و قال الآلوسيّ: «و جمع بين الأقوال المتقدّمة في كلّ من تلك الأنواع بأنّ العرب كانت تختلف أفعالهم فيها».
قال الفخر الرّازيّ: «فإن قيل: إذا جاز إعتاق العبيد و الإماء، فلم لا يجوز إعتاق هذه البهائم من الذّبح و الإتعاب و الإيلام؟ قلنا: الإنسان مخلوق لخدمة اللّه تعالى و عبوديّته، فإذا تمرّد عن طاعة اللّه تعالى، عوقب بضرب الرّقّ عليه، فإذا أزيل الرّقّ عنه، تفرّغ لعبادة اللّه تعالى، فكان ذلك عبادة مستحسنة. و أمّا هذه الحيوانات فإنّها مخلوقة لمنافع المكلّفين، فتركها و إهمالها يقتضي فوات منفعة على مالكها، من غير أن يحصل في مقابلتها فائدة، فظهر الفرق. و أيضا الإنسان إذا كان عبدا فأعتق، قدر على تحصيل مصالح نفسه، و أمّا البهيمة إذا أعتقت و تركت، لم تقدر على رعاية مصالح نفسها، فوقعت في أنواع من المحنة، أشدّ و أشقّ ممّا كانت حال ما كانت مملوكة، فظهر الفرق».
إن قيل: لم ألغى الإسلام عادة أهل الجاهليّة في تسبيبهم الحامي من الإبل، و هو ضرب من الاعتراف بالجميل و رفق بالحيوان، كما تناوي به بعض الجمعيّات في عصرنا هذا؟ قلنا: إنّ تلك العادة تقضي بهدر الثّروة و الإضرار بالاقتصاد و تعطيل الأعمال. ثمّ إنّ هذا الإجلال و التّقدير لبهيمة لا تعي و لا تدرك، لضرب من الجهل و النّزق.[2]
المنبع:
المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 14، ص 74
[1]المائدة: 103
[2]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 14، ص 74