بیعة العقبة
هی التی وقعت فی العقبة بمنی مرتین:
بيعة العقبة الاولى: في السنة الاخرى من موسم الحج التقى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله جماعة من أهل المدينة- عرفوا بعد ذلك بالأنصار- وهم ينتسبون إلى قبيلة الخزرج ودعاهم صلى الله عليه و آله إلى الإسلام وكانوا قد سمعوا آنفا من اليهود قولهم: سيبعث رسول في هذه الأيام ونحن نحميه ونساعده للقضاء عليكم فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: «هذا النبي الذي توعدكم به اليهود، فأجابوه وصدقوه، و قالوا له: إن بين قومنا شرا، وعسى الله أن يجمعهم بك، فإن اجتمعوا عليك فلا رجل أعز منك». ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه و آله راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا وهم فيما ذكر سبعة نفر من الخزرج من بني عبد النجار هم: أسعد بن زرارة، عوف بن الحارث، رافع بن مالك، عامر بن عبد حادثة، قطبة بن عامر، عقبة بن عامر، جابر بن عبد الله [1] . وبعد انتهاء موسم الحج رجعوا إلى المدينة حاملين معهم مشعل الحرية للناس ونشروا الإسلام بين أهل المدينة.
وبعد مرور سنة وفي أيام موسم الحج أيضا جاء إثنا عشر رجلا إلى العقبة وبايعوا الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله فسميت هذه ببيعة العقبة الاولى، وعند رجوعهم إلى المدينة أرسل الرسول صلى الله عليه و آله مصعب بن عمير لتعليمهم القرآن والإسلام وقد استقر في بيت (أسعد بن زرارة) والتفوا حول (مصعب) فبدأ يدعوهم إلى الإسلام باسلوب خاص فلم يبق بيت من بيوت بني عبد الأشهل إلاودخله الإسلام، ولم يقتصر على هذه القبيلة فحسب، بل دعا أهل المدينة الآخرين إلى الإسلام فدخل الإسلام جمع كثير[2] .
بيعة العقبة الثانية: اتسع نطاق الإسلام في المدينة بين الأنصار حتى إزداد عدد المسلمين كثيرا فقرروا السفر إلى الحج والالتقاء برسول الله صلى الله عليه و آله سرا ودعوته للقدوم إلى المدينة، وقد أرسلوا ممثلين عنهم يبلغ عددهم (72) شخصا، (70) رجلا وأمرأتين، وبدأوا عملهم سرا، بعد منتصف الليل وهم ينحدرون آحادا إلى مكان معين فحضر الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وصحبه عمه العباس، فبايعوه على أن يبذلوا أرواحهم [3] دونه، وأن يكونوا أوفياء له وللاسلام، وواعدهم الرسول على الوفاء أيضا، وقد أورد التاريخ مقاطع مما قيل في ذلك اللقاء حيث بدأ العباس الكلام قائلا: «إن محمدا منا حيث قد علمتم، في عز ومنعة وإنه قد أبى إلاالانقطاع إليكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فانه في عز ومنعة من قومه وبلده»، فقالت الأنصار:
تكلم يارسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت «فتكلم وتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال: ابايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم»، فأخذ (البراء بن معرور) بيده ثم قال: «والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يارسول الله فنحن والله أهل الحرب ...».
وقال الآخر ويدعى أبو الهيثم بن تيهان: يارسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا وإنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه و آله وقال:
«بل الدم الدم والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم اسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم» ثم قال صلى الله عليه و آله: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم» فاخرجوهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهنا قال العباس بن عبادة صاحب الفكر العميق والنظرة الثاقبة: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ... تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن، فهو والله خزي الدنيا والآخرة إن فعلتم، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فمالنا بذلك يارسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة، قالوا: أبسط يدك فبسط يده فبايعوه»[4] .
إن هذا النصر الكبير أدى إلى ازدياد حقد وعداء أهل مكة للمسلمين فازدادوا ظلما وتعذيبا لهم، فأمرهم الرسول صلى الله عليه و آله بالهجرة إلى المدينة.
المنبع:
نفحات القرآن، ج 8، ص 16
[1]الكامل، ج 1، ص 510؛ وسيرة ابن هشام، ج 2، ص 70؛ وتفسير جامع البيان، ج 2، ص 86- 88.
[2]الكامل، ج 1، ص 511؛ وسيرة ابن هشام، ج 2، ص 73.
[3]الكامل، ج 1، ص 513؛ وسيرة ابن هشام، ج 2، ص 84؛ وتفسير جامع البيان، ج 2، ص 91.
[4]الكامل، ج 1، ص 513؛ وسيرة ابن هشام، ج 2، ص 88.