غزوة بئر معونة

غزوة بئر معونة

كانت غزوة بئر معونة و هي ماء لبني عامر بن صعصعة، و قيل: قرب حرة بني سليم في صفر على رأس ستة و ثلاثين شهرا. و سببها أن عامر ابن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبا براء ملاعب، الأسنّة- قدم على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و أهدى له فرسين و راحلتين، فقال: لا أقبل هدية مشرك، و ردهما، و عرض عليه الإسلام فلم يسلم و لم يبعد، و قال: يا محمد، إني أرى أمرك هذا حسنا شريفا، و قومي خلفي، فلو أنك بعثت نفرا من أصحابك معي لرجوت أن يجيبوا دعوتك و يتبعوا أمرك، فإن هم اتبعوك فما أعزى أمرك! فقال صلّى الله عليه و سلّم: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال عامر: لا تخف عليهم، أنا لهم جار أن يعرض لهم أحد من أهل نجد.

(خبر القراء و خروجهم إلى بئر معونة)

و كان من الأنصار سبعون رجلا شببة، يسمون القراء، كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية المدينة فتدارسوا و صلّوا، حتى إذا كان و جاء الصبح استعذبوا من الماء و حطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر النبي صلّى الله عليه و سلّم، فكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، و أهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم، فبعثهم النبي صلّى الله عليه و سلّم، و أمرّ عليهم المنذر بن عمرو بن حنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي: أحد النقباء، و كتب معه كتابا. فساروا و دليلهم المطّلب من بني سليم، حتى إذا كانوا ببئر معونة و هو ماء من مياه بني سليم عسكروا بها و سرّحوا ظهرهم، و بعثوا في سرحهم الحارث بن الصّمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، و هو مبذول، ابن مالك بن النجار، و عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد ابن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة [جدي بضم الجيم و فتح الدال ] الضمريّ، و قدّموا حرام بن ملحان، و هو مالك بن خالد بن زيد ابن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري بكتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلم يقرءوا الكتاب.

(خبر عامر بن الطفيل و مقتل القراء)

و وثب عامر بن الطفيل على حرام فقتله، و استصرخ بني عامر فأبوا و كان أبو براء بناحية نجد فاستصرخ قبائل من سليم عصية و رعلا فنفروا معه حتى وجدوا القراء فقاتلوهم، فقتلوا رضي الله عنهم إلا المنذر بن عمرو فإنّهم أمّنوه إن شاء، فأبى أن يقبل أمانهم حتى يأتي مقتل حرام، فلما أتى مصرعه قاتلهم حتى قتل، و أقبل الحارث [بن الصمة] و عمرو بن أمية بالسرح و الخيل واقفة، فقاتلهم الحارث حتى قتل بعد ما قتل منهم عدة. و أعتق عامر بن الطفيل عمرو ابن أمية عن أمّه و جزّ ناصيته.

و كان ممن قتل يومئذ عامر بن فهيرة: طعنه جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ابن كلاب الكلابيّ بالرمح ثم انتزعه، فذهب بعامر في السماء حتى غاب عنه و هو يقول: فزت و الله! فأسلم جبار لما رأى من أمر عامر.

(دعاء رسول الله على أصحاب الغدر)

و لما بلغ رسول الله خبر بئر معونة «جاء معها في ليلة واحدة مصاب [خبيب ابن عدي ] و مرثد بن أبي مرثد و بعث محمد بن مسلمة، فجعل يقول: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها. و دعا على قتلتهم بعد الركعة من الصبح في صبح تلك الليلة التي جاء الخبر فيها. فلما قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ عليك ببني لحيان و زغب و رعل و ذكوان، و عصيّة فإنّهم عصوا الله و رسوله، اللَّهمّ عليك ببني لحيان و عضل و القارة، اللَّهمّ أنج الوليد ابن الوليد، و سلمة بن هشام، و عياش بن أبي ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين. غفار غفر الله لها، و أسلم سالمها الله. ثم سجد. فقال ذلك خمس عشرة ليلة، و يقال: أربعين يوما، حتى نزلت «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» (آل عمران:128)

(حزن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم على القراء و ما نزل فيهم من القرآن )

و لم يجد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة، و أنزل الله فيهم قرآنا نسخ بعد ما قرئ مدة «بلغوا قومنا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا و رضينا عنه».

(هدية أبي براء إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم )

و أقبل أبو براء فبعث ابن أخيه لبيد بن ربيعة بفرس هدية لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم فرده و قال: لا أقبل هدية مشرك، قال: فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به [و كانت به الدبيلة] فتناول النبي صلّى الله عليه و سلّم مدرة من الأرض فتفل فيها ثم ناوله و قال: دفها بماء ثم اسقها إياه. ففعل فبرأ. و يقال: بعث إليه بعكة عسل فلم يزل يلعقها حتى برأ، و شق على أبي براء ما فعل عامر بن الطفيل.

(مقتل المشركين )

و قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بعد ما لقي بصدور قناة رجلين من بني كلاب قد قدما على رسول الله فكساهما و أمنهما، فقتلهما للذي أصابت بنو عامر من القراء. فقال له النبي صلّى الله عليه و سلّم: بئس ما صنعت! قتلت رجلين قد كان لهما مني أمان و جوار! لأدينهما. و أخرج ديتهما دية حرّين مسلمين، فبعث بها و بسلبهما إلى عامر بن الطفيل.[1]

قیل نزلت الآیة 169 من سورة آل عمران: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً إلى قوله أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ » في شهداء بئر معونة.[2]

المنابع:

إمتاع الأسماع،ج 1،ص181

الكشف و البيان، ج 3، ص201

جامع البيان فى تفسير القرآن، ج 4، ص 115

 

[1]إمتاع الأسماع،ج 1،ص181

[2]الكشف و البيان، ج 3، ص201