هرمز بن أنو شروان
المجموعات : الأشخاص

هرمز بن أنوشروان

كانت أمّه بنت خاقان الأكبر، و كان كثير الأدب، حسن النيّة في الإحسان إلى الضعفاء و المساكين، إلّا أنّه كان يحمل على الأشراف، فعادوه و أبغضوه، فعلم بذلك منهم، فكان في نفسه منهم مثل ما في أنفسهم منه.

(من سيرته المرتضاة):

و كان من سيرته المرتضاة: أنّه تحرّى الخير و العدل على الرعيّة، و تشدّد على العظماء المستطيلين على الضعفاء، و بلغ من عدله أنّه كان يسير إلى ال «ماه» ليصيف هناك، فأمر فنودي في مسيره ذلك في مواضع الحروث أن يتحامى، و لا يسير فيها الراكب لئلّا يضرّوا بأحد و وكّل بتعهّد ما يجرى في عسكره، و معاقبة من تعدّى أمره، و تغريمه عوضا لصاحب الحرث. و كان ابنه كسرى في عسكره، فعار مركب من مراكبه، و وقع في محرثة من المحارث التي كانت على طريقه، فرتع فيها، و أفسد منها. فأخذ ذلك المركب، و رفع إلى الرجل الذي وكّله هرمز بمعاقبة من أفسد هو أو دابّته شيئا من المحارث و تغريمه، و لم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى ابنه، و لا أحد من حشمه. فرفع ما رأى من إفساد ذلك المركب إلى هرمز، فأمره أن يجدع أذنيه، و يبتّر ذنبه، و يغرّم كسرى. فخرج الرجل لإنقاذ الأمر. فدسّ له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب في أمره، فلقوه و كلّموه في ذلك، فلم يجب إليه، فسألوه أن يؤخّر ما أمر به هرمز في المركب حتى يكلّموه. فأمر بالكفّ عنه، ففعل. فلقى أولئك الرهط هرمز، و أعلموه أنّ بذلك [المركب ] الذي عار، زعارة، و أنّه أخذ للوقت. و سألوه أن يأمر بالكفّ عن جدعه و تبتيره لما فيه من سوء الطيرة. فلم يجبهم إلى ما سألوه، و أمر بالمركب، فجدع أذناه و بتّر ذنبه و غرّم كسرى كما يغرّم غيره في هذا الحد، ثم ارتحل.

و أيضا: ركب ذات يوم في أوان إيناع الكرم إلى ساباط المدائن و كان ممرّه على بساتين و كروم. فاظّلع بعض أساورته في كرم، فرأى فيه حصرما فأصاب منها عناقيد، و دفعها إلى غلامه و قال: «اذهب بها إلى المنزل، و اطبخها بلحم، و اتخذ منها مرقة، فانّها نافعة في هذا الإبّان.» فأتاه حافظ ذلك الكرم، فلزمه و صرخ. فبلغ اشفاق الرجل من عقوبة هرمز على تناوله من ذلك الكرم، أن دفع إلى حافظ الكرم منطقة محلّاة بذهب كانت عليه، عوضا له من الحصرم الذي رزأه من كرمه، و افتدى بها نفسه، و رأى أنّ قبض الحافظ إيّاها منه، و تخليته عنه، منّة من بها عليه.

فهذه كانت سيرة هرمز في العدل و الضبط و الهيبة، و كان مظفّرا منصورا لا يمدّ يده إلى شي ء إلّا و أتاه، و كان مع ذلك أديبا، داهيا، إلّا عرقا قد نزعة أخواله من الترك. فكان لذلك مقصيا للأشراف و أهل البيوتات و العلماء.

و قيل: إنّه قتل ثلاثة عشر ألف رجل و ستمائة رجل. و لم يكن [له رأى ] إلّا في [تألّف ] السفلة و استصلاحهم. و حبس خلقا من العظماء، و حطّ مراتب خلق، و قصّر بالأساورة، [ففسدت ] عليه نيات جنده من الكبراء، [و اتصل ] ذلك بما جناه على بهرام شوبين. فكان ذلك سبب هلاكه.[1]

المنبع:

تجارب الأمم، ج 1، ص21-22

 

[1]تجارب الأمم، ج 1، ص21-22