عبد اللّه بن أبي
هو أبو الحبّاب عبد اللّه بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم الأنصاري، الخزرجي، المعروف بابن سلول، و سلول جدّته لأبيه.كان في الجاهليّة من سادات الخزرج، و كان عملاقا طويل القامة.
عاصر النبي صلّى اللّه عليه و آله في بدء الدعوة الإسلامية، و أصبح من أكثر المشركين إيذاء للنّبي و المسلمين، و أكثرهم حسدا للنبي صلّى اللّه عليه و آله، حتى صار رأس النفاق في المدينة المنورة.
أظهر الإسلام بعد واقعة بدر الكبرى تقيّة و نفاقا و بغيا، فأخذ يخذل النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين في واقعة أحد و غزوة تبوك و غيرهما.
كان أوّل الشامتين بالمسلمين إذا حلّت بهم نازلة، و ينشر كل سيئة يسمعها عنهم.
و لم يزل على كفره و شركه و نفاقه و إيذائه للنبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين حتى أصيب بمرض أودى بحياته، فدخل عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله- و هو على فراش الموت- فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: أهلكك حبّ اليهود.
لمّا هلك في أواخر شوال أو أوائل شهر ذي القعدة في السنة التاسعة من الهجرة جاء ابنه- عبد اللّه- إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله- و كان مؤمنا- فطلب من النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يلبس أباه قميصه، فألبسه النبي صلّى اللّه عليه و آله قميصه، و ذلك مكافأة لصنيع كان أسداه إلى العباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم واقعة بدر، و هو لمّا ألقي القبض على العباس و أسره المسلمون كان عريانا، فكساه المترجم له قميصه.
القرآن العظيم و عبد اللّه بن أبي :
شملته الآية 14 من سورة البقرة: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ.
و نزلت فيه الآية 214 من سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ....
و شملته الآية 88 من سورة النساء: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ....
و نزلت فيه الآية 112 من نفس السورة: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً.
لم يشترك هو و جماعته من المنافقين في حرب أحد، و كانوا يترصّدون النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين فإن كانت نتيجة الحرب لصالح المسلمين، كانوا يقولون: نحن كنا معكم، و إن كانت لصالح الكفّار و المشركين كانوا يقولون: كنّا معكم و نقلنا إليكم أسرار المسلمين، فأنزل اللّه فيه و في أمثاله من المنافقين و الأشرار الآية 141 من نفس السورة: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ....
و نزلت فيه الآية 145 من نفس السورة: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً.
كان يصاحب اليهود و يودّهم و يتّخذهم مأمنا له، فنزلت فيه الآية 51 من سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ....
لمّا أعلن عن إسلامه تقيّة و نفاقا نزلت فيه الآية 61 من نفس السورة السابقة: وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ....
كان يأتي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و يقول له: إنّي مستعد لمساعدتك بأموالي بشرط أن لا أشترك في الحروب و الغزوات فنزلت فيه الآية 53 من سورة التوبة: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ.
و لنفاقه و كذبه نزلت فيه الآية 74 من نفس السورة: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ....
و لما هلك و مات جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله ليصلّي على جنازته، أو صلّى عليها نزلت الآية 84 من نفس السورة: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ.
كان قد أقسم أن لا يخالف أوامر النبي صلّى اللّه عليه و آله فخالفها، ثم جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله معتذرا طالبا الصفح عنه، فنزلت فيه الآية 94 من نفس السورة: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ....
كان من المغالين في اتهام عائشة بنت أبي بكر بالفاحشة في قصة الإفك، فشملته الآية 11 من سورة النور: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ.
كانت عنده جارية مسلمة تدعى معاذة، فكان يجبرها على البغاء، فنزلت فيه الآية 33 من نفس السورة: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ....
و لاشتراكه بالإفك على عائشة و قذفها و اتهامها بالفاحشة شملته الآية 57 من سورة الأحزاب: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ....
جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله يوما و معه عظمة بالية، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و آله: هل تستطيع أن تعيد الحياة إلى هذه العظمة؟ فنزلت فيه الآية 78 من سورة يس: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ.
كان هو و جماعة من المنافقين قد صادقوا و صاحبوا الكفّار و المشركين، و كانوا ينقلون إليهم أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين و أسرارهم، فنزلت فيهم الآية 14 من سورة المجادلة: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ ....
في أحد الأيّام كان ابنه عبد اللّه- و كان مؤمنا- جالسا عند النبي صلّى اللّه عليه و آله، فشرب النبي صلّى اللّه عليه و آله ماء، فطلب عبد اللّه من النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يبقي شيئا من ذلك الماء لكي يشربه لأبيه عسى أن ينظّف ذلك الماء الذي لامس شفتي النبي صلّى اللّه عليه و آله قلب أبيه من الأدران، فوافق النبي صلّى اللّه عليه و آله على ذلك، فجاء بالماء إلى أبيه و قال له: هذا الماء من بقايا ماء شربه النبي صلّى اللّه عليه و آله، جئت به إليك لتشربه عسى أن يؤثّر على قلبك و ضميرك و تصحو ممّا أنت فيه، فقال المترجم له: لو كنت جئتني ببول أمّك لكان أحسن من ذلك، فنقل عبد اللّه كلام أبيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فنزلت في المترجم له الآية 22 من السورة السابقة: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ ....
و فيه و في بقية المنافقين نزلت الآية 11 من سورة الحشر: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ....
و نزلت فيه الآية 1 من سورة المنافقون: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ.
و لشدّة نفاقه و وقوفه ضدّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين نزلت فيه الآية 2 من نفس السورة: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
و لنفس السبب السابق نزلت فيه الآية 5 من السورة نفسها: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.
و نزلت فيه الآية 6 من نفس السورة: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.
و الآية 7 من السورة نفسها: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ....
و الآية 8 من نفس السورة: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ....[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 587
[1]أعلام القرآن، ص 587