الأحبار

الأحبار

الأصل في مادة «ح ب ر» الأثر في حسن و بهاء، و منه: الحبر، أي المداد. یقال: حبرت الخطّ حبرا، و حبّرته تحبيرا، أي حسّنته، و كلّ ما حسن من خطّ أو كلام أو شعر أو غير ذلك، فقد حبر حبرا و حبّر. و الحبر و الحبر: العالم بتحبير الكلام و العلم و تحسينه؛ و الجمع: أحبار، و غلب على العالم من أهل الكتاب، ثمّ أطلق على العالم المسلم و الرّجل الصّالح،و على الجمال و البهاء، يقال: فلان حسن الحبر و الحبر و السّبر و السّبر، أي جميل حسن الهيئة.

جاء لفظ الأحبار فی قوله تعالی:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»[1] و «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ »[2] و «إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ»[3] و «لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ» [4]

واحدة منها مدح لليهود بأنّ النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار منهم يحكمون بينهم بما استحفظوا من كتاب اللّه. و الباقي كلّها ذمّ: إمّا للرّبّانيّين و الأحبار من اليهود بأنّهم لا ينهون النّاس عن قول الإثم و أكل السّحت أو ذمّ لليهود و النّصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه أو ذمّ للأحبار و الرّهبان بأكل أموال النّاس و صدّهم عن سبيل اللّه فوجّه في التّوبيخ إلى الطّائفتين و إلى الأتباع و القادة معا.

الأحبار جمع «حبر» أو «حبر»- كما سبق- مأخوذ من «الحبر» بمعنى «المداد» أو من تحبير الكلام و تزييه، لأنّهم كانوا كتّابا بالمداد أو خطباء يحبّرون الكلام. و الأخير يرجع إلى المحور الأوّل، بل الأوّل أيضا لو قلنا: إنّ «المداد» أطلق عليه، لأنّ الكتّاب كانوا يحبّرون به الخطّ، و هو الصّواب.

يبدو أنّ الألفاظ الثّلاثة: «الأحبار، ربّانيّون، الرّهبان» كانت شايعة بين اليهود و النّصارى العرب في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و ليس لها ذكر في التّوراة و الإنجيل. هناك بحث في أنّ المراد بها أشخاص معيّنون- استنادا إلى الرّوايات- أو تشمل كلّ علمائهم، و قد رجّح الطّبريّ الشّمول لعموم الآيات.

أمّا الرّبّانيّون فاختلفوا فيهم فالأكثر على أنّ الصّنفين كلاهما من اليهود، و الفرق بينهما: أنّ (الاحبار) هم القرّاء أو الفقهاء أو العلماء، و (الرّبّانيّون) هم الولاة و الحكّام، أو هم الفقهاء، و (الاحبار) سائر العلماء، و كلّهم من أولاد هارون. و قيل: إنّ (الرّبّانيّون) علماء النّصارى، و (الاحبار) علماء اليهود. و عندنا أنّ سياق الآيات قبلها- و كذا بعدها- يدلّ على أنّ الصّنفين كانا من اليهود، فالرّبّانيّون و الأحبار منهم دون النّصارى. فلا وجه لتردّد المفسّرين في ذلك.

تقدیم (الاحبار) على (الرّهبان) لتقدّم زمانهم عليهم بداهة أنّ اليهود قبل النّصارى، أمّا تقديم (الرّبّانيّون) على (الاحبار) و كلاهما من اليهود فقيل: لفضلهم عليهم، و قيل: إنّ (الرّبّانيّون) أعمّ من (الاحبار) فكلّ ربّانيّ حبر، و ليس كلّ حبر ربّانيّا، و قيل: لا فرق بينهما فكلّ حبر ربّانيّ و كلّ ربّانيّ حبر فهذا من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ. و لا شاهد لما ذكر بل ظاهر الآيتين الفرق بين الصّنفين، و أنّهما كانا يحكمان بالتّوراة للّذين هادوا- و هذا دليل آخر على أنّهما من اليهود- و أنّهما خلفاء (النّبيّون) الّذين أسلموا.[5]

المنبع:

المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 10، ص 643

 

[1]التّوبة: 34

[2]التّوبة: 31

[3]المائدة: 44

[4]المائدة: 63

[5]المعجم فى فقه لغه القرآن و سر بلاغته، ج 10، ص 643