على بن الحسين علیهما السلام
المجموعات : الأشخاص

علي بن الحسین علیهما السلام

هو الامام الرابع لمذهب الشيعة، عرف عنه كثرة العلم و تضلعه بالحديث الشريف و الفقه، و عرف بالزهد و الورع و العبادة و لقب بزين العابدين، و كان كثير العطف على الفقراء و المساكين. قال الزهري ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين.

قال الیعقوبي: «كان [علي بن الحسین علیه السلام] أفضل الناس، و أشدهم عبادة، و كان يسمى زين العابدين، و كان يسمى أيضا ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود، و كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و لما غسل وجد على كتفيه جلب كجلب البعير، فقيل لأهله: ما هذه الآثار؟ قالوا: من حمله للطعام في الليل يدور به على منازل الفقراء. قال سعيد بن المسيب: ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين. و ما رأيته قط إلا مقت نفسي، ما رأيته ضاحكا يوما قط. و كانت أمه حرار بنت يزدجرد كسرى، و ذلك أن عمر بن الخطاب لما أتي بابنتي يزدجرد وهب إحداهما للحسين بن علي، فسماها غزالة، و كان يقول بعض الأشراف إذا ذكر علي ابن الحسين يود الناس كلهم أن أمهاتهم إماء. و قيل إن أمه كانت من سبي كابل. قال أبو خالد الكابلي: سمعت علي بن الحسين يقول: من عف عن محارم الله كان عابدا، و من رضي بقسم الله كان غنيا، و من أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما، و من صاحب الناس بما يحب أن يصاحبوه به كان عدلا....

اولاده:

كان له من الولد: أبو جعفر محمد، و الحسين، و عبد الله، و أمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي، و علي، و الحسن، و الحسين الأصغر، و سليمان - توفي صغيرا - و زيد.[1]

و قال ابن الجوزي في کتابه المنتظم: «علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أبو الحسن: أمه أم ولد اسمها غزالة. روى عن أبيه، و ابن عباس، و جابر بن عبد الله، و صفية، و أم سلمة، و شهد مع أبيه كربلاء و هو ابن ثلاث و عشرين سنة، و كان مريضا حينئذ ملقى على الفراش، فلما قتل الحسين قال شمر: اقتلوا هذا، فقال رجل من أصحابه: سبحان الله، أ تقتلون غلاما حدثا مريضا لم يقاتل، و جاء عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: لا تعرضوا للنسوة و لا لهذا المريض، ثم أدخل على ابن زياد، فهم بقتله ثم تركه و بعثه إلى يزيد، فرده إلى المدينة، فالعقب من ولد الحسين لعلي من هذا، و أما الأكبر المقتول فلا عقب له.

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، عن عبد الغفار بن القاسم، قال: كان علي بن الحسين خارجا من المسجد، فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد و الموالي، فقال علي بن الحسين: مهلا عن الرجل، ثم أقبل عليه، فقال: ما ستر الله عليك من أمرنا أكثر، أ لك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى إليه خميصة كانت عليه، و أمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل. ...

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا علي بن محمد الأنباري، قال:أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا ابن صفوان، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حدّثني محمد بن أبي معشر، قال: حدّثني ابن أبي نوح الأنصاري، قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين رضي الله عنهما و هو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النار، يا ابن رسول الله النار، فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له: ما الّذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني النار الأخرى.

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناد له عن عبد الله بن أبي سليمان، قال: كان علي بن الحسين رضي الله عنهما لا تجاوز يده فخذه، و لا يخطر بيده، و كان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: تدرون بين يدي من أقوم و من أناجي. أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناد له عن أبي حمزة الثمالي، قال: كان علي بن الحسين رضي الله عنهما يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به و يقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز و جل. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بإسناده عن جعفر بن محمد، قال: كان علي بن الحسين رضي الله عنهما لا يحب أن يعينه على طهوره أحد، كان يستقي الماء لطهوره و يخمره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ثم يأخذ في صلاته، و كان لا يدع صلاة الليل في السفر و الحضر، و ربما صلاها على بعيره، و كان يقول: عجبت للمتكبر الفخور الّذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، و عجبت كل العجب لمن شك في الله و هو يرى خلقه، و عجبت كل العجب لمن ينكر النشأة الأخرى و هو يرى الأولى، و لمن عمل لدار الفناء و ترك دار البقاء.

و كان إذا أتاه سائل رحب به و قال: مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة.

أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد له عن طاووس، قال: رأيت علي بن الحسين رضي الله عنهما ساجدا، فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب، لأسمعن ما يقول: فأصغيت إليه فسمعته يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك. فو الله ما دعوت بها في كرب إلا كشف عني. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال:أخبرنا ابن علي الطناجيري، قال: أخبرنا أبو حفص بن شاهين، قال: حدّثنا محمد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، قال: حدّثنا جدي قال: حدّثنا الهيثم بن عدي، قال: حدّثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسين رضي الله عنهما: سألت الله عز و جل في دبر كل صلاة سنة أن يعلمني اسمه الأعظم. قال:

فو الله إني لجالس قد صليت ركعتي الفجر إذ ملكتني عيناي، فإذا رجل جالس بين يدي قال: قد استجيب لك، فقل: اللَّهمّ إني أسألك باسمك الله الله الله الله الله الّذي لا إله إلّا هو رب العرش العظيم. ثم قال لي: أ فهمت أم أعيد عليك، قلت: أعد علي، ففعل قال علي: فما دعوت بها في شي ء قط إلا رأيته، و إني لأرجو أن يدخر الله لي عنده خيرا. أخبرنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: حدّثنا أبو محمد الجوهري، قال: حدّثنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدّثنا علي بن عبد الله، قال: حدّثنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى، عن أبيه، عن حاتم بن أبي صفيرة، عن عمرو بن دينار، قال: دخل علي بن الحسين رضي الله عنهما على أسامة بن زيد في مرضه الّذي مات فيه و هو يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ قال: دين عليّ، قال: كم مبلغه؟ قال: خمسة عشر ألف دينار- أو بضعة عشر ألف دينار قال: فهو عليّ. و قال شيبة بن نعامة الضبي: كان علي بن الحسين رضي الله عنهما يبخل، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت. و في رواية: أنه كان إذا أقرض قرضا لم يستعده، و إذا عار ثوبا لم يرتجعه، و إذا وعد شيئا لم يأكل و لم يشرب حتى يفي بوعده، و إذا مشى في حاجة فوقفت قضاها من ماله. و كان يحج و يغزو و لا يضرب راحلته. و كان يصلي كل يوم و ليلة ألف ركعة. و قال الزهري: لم أر هاشميا أفضل منه و لا أفقه منه.

أنبأنا محمد بن أبي منصور الحافظ، قال: أخبرنا أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم المكيّ، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أخبرني علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدّثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: سمعت الزهري يقول: وجه عبد الملك بن مروان رسلا في حمل علي بن الحسين فوجدوه بمكة، فحملوه مكبلا بالحديد و منع الناس أن يدخلوا عليه.

قال ابن شهاب: فأذنت عليه، فصرفني البوابون من عند عبد الملك فأذنوا لي، فدخلت عليه الحبس و جعلت أتوجع له و أقول له: يعز عليّ يا ابن رسول الله أن أراك على مثل هذه الحالة، فلما رأى شدة حزني و بكائي، قال: يا زهري، لا تجزع إن هذا الحديد لا يؤذيني، ثم نزعه من رجله و وضعه بين يدي، و قال: لست أجوز معهم ذات عرق.

قال: ثم مضوا به محمولا، فما لبثنا بعد ذلك إلا أربعة أيام حتى أتت رسل عبد الملك يسألون عن علي بن الحسين و قد فقدوه، فقلت كيف كان أمره؟ قالوا: لما نزلنا ذات عرق فبتنا بها ليلتنا تلك فلما أصبحنا وجدنا حديدة و فقدناه.

قال ابن شهاب: فقدمت بعد ذلك بأسبوع على عبد الملك و هو بالشام فسألني عن علي بن الحسين، فقلت: أنت أعلم به مني، فقال: إنه قدم عليّ في اليوم الّذي فقده فيه أصحابي بذات عرق فدخل عليّ من هذا الباب فقال: ما أنا و أنت، فقلت: أريد أن تقيم عندي ... قال علماء السير: حج هشام بن عبد الملك و لم يل الخلافة بعد، فطاف بالبيت فجهد أن يصل إلى الحجر فيستلمه، فلم يقدر عليه، فنصب له منبر و جلس عليه ينظر إلى الناس، فأقبل علي بن الحسين فطاف بالبيت، فلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الّذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟

فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، و كان الفرزدق حاضرا، فقال الفرزدق: و لكني أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟، فقال:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام و العجم

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخرّ يلثم منه الكف و القدم

يغضي حياء و يغضى من مهابته فما يكلّم إلّا حين يبتسم

من جدّه دان فضل الأنبياء له. و فضل أمّته دانت له الأمم

ينشقّ نور الهدى عن نور غرّته كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم

مشتقّة من رسول الله نبعته طابت عناصره و الخيم و الشّيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الله شرّفه قدما و فضله جرى بذاك له في لوحه القلم

و ليس قولك: من هذا؟ بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما يستوكفان و لا يعروهما العدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق و الشيم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا رحب الفناء أريب حين يعتزم

عم البرية بالإحسان فانقشعت عنه الغيابة و الإملاق و العدم

من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجى و معتصم

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت و الأسد أسد الشري و البأس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من أكفهم سيان ذلك إن أثروا و إن عدموا

يستدفع السوء و البلوى بحبهم و يسترب به الإحسان و النعم

مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء و مختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم خيم كريم و أيد بالندى هضم

أيّ الخلائق ليست في رقابهم لأوّليّة هذا أو له نعم

ما قال لا قط إلا في تشهده لو لا التشهد كانت لاءه نعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا الدين من بيت هذا ناله الأمم

قال: فغضب هشام و أمر بحبس الفرزدق بعسفان- بين مكة و المدينة. و بلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، و قال: أعذر أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها الفرزدق و قال: يا ابن رسول الله ما قلت الّذي قلت إلا غضبا للَّه عز و جل و لرسوله، و ما كنت لأزرأ عليه شيئا، فقال: شكر الله لك، إلّا أنا أهل البيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه، فقبلها، و جعل يهجو هشاما و هو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:

أ تحبسني بين المدينة و التي إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد و عين له حولاء باد عيوبها

توفي علي بن الحسين بالمدينة في هذه السنة، و دفن بالبقيع، و هو ابن ثمان و خمسين سنة.[2]

المنبع:

المنتظم،ج 6،ص326 و 333

تاريخ اليعقوبي،ج 2،ص303

 

[1]تاريخ اليعقوبي،ج 2،ص303

[2]المنتظم،ج 6،ص326 و 333