عام القضيّة
المجموعات : الأزمنة

عام القضیة

هو العام السابع من الهجرة؛ أدّی النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع أصحابه - في ذلک العام - عمرة القضاء.[1]

و توضيح ذلك: أنّه طبقا لإحدى مواد معاهدة الحديبيّة أصبح من المقرر أن يؤدّي المسلمون العمرة و زيارة بيت اللّه في العام المقبل على أن لا يمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيام، و في الوقت ذاته يخرج المشركون من مكّة و رؤساء قريش أيضا، لئلا يقع نزاع محتمل بين الطرفين و لئلا يروا المسلمين يؤدّون المناسك فيثيرهم منظر العبادة «التوحيدية».

و قد ورد في بعض التواريخ أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أحرم في السنة المقبلة مع أصحابه و الجمال المساقة للهدي و تحرّكوا جميعا حتى بلغوا أطراف «الظهران» و نواحيه فأرسل النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان عنده من أسلحة و خيول تستلفت النظر مع أحد أصحابه و اسمه «محمّد بن مسلمة» فلمّا رأى المشركون هذه الخطة فزعوا و خافوا خوفا شديدا و ظنّوا أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم يريد أن يقاتلهم و ينقض المعاهدة الممضاة لعشر سنين و أخبروا أهل مكّة بذلك. غير أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم حين وصل منطقة قريبة من مكّة أمر أن توضع الأسلحة من السهام و الرماح و غيرها من الأسلحة في منطقة تدعى «ياجج»، و دخل هو و أصحابه مكّة بالسيوف المغمدة. فلمّا رأى أهل مكّة من النّبي ما رأوا فرحوا إذ وفى النّبي بوعده [فكأنّ النبي باقدامه هذا أنذر المشركين أن لو نقضوا العهد و أرادوا أن ينازلوا المسلمين فهم على أتم الاستعداد]. فخرج رؤوساء مكّة منها لئلّا تتأثر عواطفهم و قلوبهم بهذه «المناظر» و لا تثيرهم مناسك العمرة من قبل المسلمين.

غير أنّ بقية أهل مكّة من الرجال و النساء و الأطفال اجتمعوا في السطوح و حول الكعبة و خلال الطريق ليروا كيف يؤدّي المسلمون مناسكهم ... فدخل النّبي مكّة بهذه الأبّهة الخاصة و كانت معه جمال كثيرة مسوقة للهدي فعامل أهل مكّة بمنتهى اللطف و المحبّة و أمر المسلمين أن يسرعوا أثناء الطواف و أن يزيحوا الإحرام عن أكتافهم قليلا لتبدو علائم القدرة و القوّة فيهم و أن تترك هذه الحالة في أفكار أهل مكّة و أنفسهم تأثيرا كبيرا و دليلا حيّا على قوة المسلمين و حكمتهم! و على كلّ حال فإنّ «عمرة القضاء» كانت عبارة كما كانت في الوقت ذاته عرضا «للعضلات المفتولة» و ينبغي القول أنّ «فتح مكّة» الذي تحقّق بعد سنة أخرى كان قد نثر بذره في هذه السنة و هيّأ الأرضية لاستسلام أهل مكّة للفاتحين (المسلمين).

و كان هذا الأمر مدعاة لقلق رؤساء قريش إلى درجة أنّهم بعثوا رجلا بعد مضي ثلاثة أيّام إلى النّبي يطلب منه أن يغادر بسرعة هو و أصحابه مكّة طبقا للمعاهدة ...

الطريف هنا أنّ النّبي تزوّج أرملة من نساء قريش و كانت من أقرباء بعض رؤسائهم المعروفين و ذلك ليشدّ أواصره بهم و يخفّف من غلوائهم و بغضائهم. و حين سمع النّبي اقتراحهم بالمغادرة قال: «ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعنا لكم طعاما فحضر تموه». قالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنّا. و لو كان تمّ ذلك لكان له أثره في نفوذ أمر النّبي في قلوبهم غير أنّهم لم يقبلوا ذلك منه .[2]

المنابع:

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص489 – 490

أسدالغابة،ج 1،ص29

إمتاع الأسماع،ج 1،ص330

 

[1]أسدالغابة،ج 1،ص29، إمتاع الأسماع،ج 1،ص330

[2]الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج 16، ص489 - 490