طلحة بن عبيد اللّه
هو أبو محمد طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب القرشيّ، التيمي، الأنصاري، المكّي، المدني، الملقب بطلحة الخير، و طلحة الفيّاض، و طلحة الطلحات، و طلحة الجواد، و أمّه الصعبة بنت الحضرمي.
صحابيّ معروف، و أحد أصحاب الشورى، و من جملة العشرة المبشّرة بالجنّة عند العامّة.
كان محاربا شجاعا، خطيبا مفوّها، قارئا للقرآن، و من دهاة و أثرياء قومه.
كان يبيع القماش بمكّة، و معروفا بالجود و الكرم، و كان مشلول الإصبع.
ولد بمكّة سنة 28 قبل الهجرة، و أسلم و هاجر إلى المدينة، و لم يحضر واقعة بدر، و شهد أحدا و ما بعدها من المشاهد.
آخى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين سعد بن أبي وقاص، و قيل: بينه و بين الزبير بن العوّام.
حدّث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحاديث، و روى عنه جماعة.
كان طموحا للخلافة، فاذا مات خليفة أراد الخلافة لنفسه، و بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تخلّف عن مبايعة أبي بكر ثم بايعه، و لمّا نزل بأبي بكر الموت و عهد الخلافة إلى عمر لم يرض طلحة بذلك، و قال لأبي بكر: استخلفت عمر على الناس و قد رأيت ما يلقى الناس منه و أنت معه، و كيف به إذا خلا بهم و أنت لاق ربك فسائلك عن رعيّتك؟
و بعد موت أبي بكر بايع عمر و حظي لديه، فكان يستشيره في أموره.
و بعد موت عمر بايع عثمان، و كان عثمان لا يثق به و يعتقد بأنّه يحرّض الناس عليه؛ طمعا بالخلافة.
كان من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و المخالفين له، فلمّا هلك عثمان سارع إلى مبايعة الإمام عليه السّلام؛ كرها و خوفا على نفسه.
و بعد مقتل عثمان بأربعة أشهر سار هو و الزبير بن العوّام إلى مكّة، و اتصلا بعائشة، و اتّفقا معها على شنّ الحرب عليه، فكان أوّل من نكث بيعة الإمام عليه السّلام، فكانت وقعة الجمل بين عائشة و طلحة و الزبير و أعوانهم من جهة و عساكر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام من جهة أخرى.
و في ابتداء المعركة دعا الإمام عليه السّلام الزبير و قال له: ما جاء بك؟ لا أراك لهذا الأمر أهلا، ثم قال عليه السّلام لطلحة: أ جئت بعرس النبي صلّى اللّه عليه و آله تقاتل بها و خبّيت عرسك في البيت، أما بايعتماني؟ قالا: بايعناك و السيف على عنقنا. فدعا الإمام عليه السّلام عليهما فقتلا ذليلين.
انتهت المعركة بهزيمة جيش المرأة و أعوانها و مقتل طلحة في جمادى الأولى في السنة السادسة و الثلاثين من الهجرة، و قيل: أصابه مروان بن الحكم بسهم في رجله أثناء المعركة، فهرب مجروحا إلى البصرة و دمه ينزف إلى أن هلك، و دفن بها في قنطرة قرّة، و بعد ثلاثين سنة استخرج رفاته و نقل إلى الهجريين بالبصرة فدفن هناك.
هلك و هو ابن 60 سنة، و قيل: 64 سنة، و قيل: 62 سنة، و قيل: 58 سنة.
و بعد أن انتصر الإمام عليه السّلام في معركة الجمل أخذ يستعرض القتلى، فلما مرّ بطلحة قال عليه السّلام: هذا الناكث بيعتي و المنشئ للفتنة في الأمّة، و المجلب عليّ، و الداعي إلى قتلي و قتل عترتي، ثم قال عليه السّلام: أجلسوا طلحة، فأجلس، فقال عليه السّلام: يا طلحة بن عبيد اللّه! لقد وجدت ما وعدني ربّي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقا؟ ثم قال عليه السّلام: أضجعوا طلحة.
فقال بعض من كان مع الإمام عليه السّلام: يا أمير المؤمنين أتكلّم طلحة بعد مقتله؟! فقال عليه السّلام: أما و اللّه لقد سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللّه يوم بدر.
و قيل في نسبه: إنّه اختصم أبو سفيان و عبيد اللّه بن عثمان التيمي في طلحة، فجعلا أمرهما إلى أمّه، صعبة، فألحقته بعبيد اللّه.
في أحد الأيّام قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: يا عليّ! ستقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا رسول اللّه! فمن الناكثون؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: طلحة و الزبير، سيبايعانك بالحجاز و ينكثان بيعتك بالعراق، فإذا فعلا ذلك فحاربهما، فإنّ في قتالهما طهارة لأهل الأرض.
القرآن الكريم و طلحة بن عبيد اللّه :
لكثرة أمواله كان يكره المشاركة في الجهاد و الحروب، فنزلت فيه الآية 77 من سورة النساء: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ ....
و نزلت فيه و في الزبير بن العوّام و عائشة الآية 40 من سورة الأعراف، و تتحدّث عن الحرب التي سيشعلون نارها ضد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حرب الجمل: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ....
و لنفس السبب السابق شملته الآية 25 من سورة الأنفال: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
في أحد الأيّام افتخر على الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بأن مفاتيح البيت الحرام عنده و هو صاحب البيت، فقال له الإمام عليه السّلام: إنّي صلّيت نحو البيت قبل الناس بستة أشهر، و جاهدت في سبيل اللّه، فنزلت فيهما الآية 19 من سورة التوبة: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .... كان من جملة الذين نفّروا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ناقته أثناء منصرفه من تبوك؛ ليدفعوه إلى الوادي و يقتلوه، فنزلت فيهم الآية 74 من سورة التوبة: وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ....
و هناك من يدّعي بأن الآية 23 من سورة الأحزاب كانت شاملة له، و هذا بعيد عن الحق و الحقيقة و الإنصاف، و الآية هي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
قال يوما لأصحابه: لو توفّي النبي صلّى اللّه عليه و آله سأتزوّج زوجته عائشة، فنزلت فيه الآية 53 من سورة الأحزاب: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.[1]
المنبع:
أعلام القرآن، ص 535-536
[1]أعلام القرآن، ص 535-536