شرحبيل بن وداعة
المجموعات : الأشخاص

شرحبیل بن وداعة الهمداني

احد کبراء نصاری نجران، قدم المدینةَ مع وفد من نجران و دخلوا علی النبي صلی الله علیه و آله و سألوه بعض السؤالات فأجابهم رسول الله حتی سألوا عن خلقة عیسی علیه السلام فنزلت الآیات59 الی 61 من سورة آل عمران.

قال البیهقي في دلائل النبوة: «... عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جده، قال يونس و كان نصرانيا فأسلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم كتب إلى أهل نجران قبل أن تنزل عليه «طس» سليمان بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب من محمد النبي رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى أسقف نجران، و أهل نجران: إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، أما بعد: فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد و أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب و السلام. فلما أتى الأسقف الكتاب و قرأه فظع به و ذعره ذعرا شديدا، فعبث الى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة، و كان من أهل همدان، و لم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله، لا الأيهم، و لا السّيّد، و لا العاقب، فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى شرحبيل، فقرأه فقال للأسقف: يا أبا مريم! ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذريّة إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا هو ذلك الرجل، ليس لي في النبوّة رأي، لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه، و جهدت لك، فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس فتنحّى شرحبيل فجلس ناحية.

فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: عبد الله بن شرحبيل، و هو من ذي أصبح من حمير، فأقرأه الكتاب، و سأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل، فقال له الأسقف: فاجلس، فتنحى فجلس ناحية.

فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: جبّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب و سأله عن الرّأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل و عبد الله، فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحية.

فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جمعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به، و رفعت المسوح في الصوامع، و كذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار و إذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس و رفعت النيران في الصوامع، فاجتمع حين ضرب الناقوس و رفعت المسوح أهل الوادي أعلاه و أسفله، و طول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع و فيه ثلاث و سبعون قرية، و عشرون و مائة ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم و سألهم عن الرأي فيه فاجتمع رأي أهل الوادي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، و عبد الله بن شرحبيل الأصبحي و جبار بن فيض الحارثي فيأتونهم بخبر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم و لبسوا حللا لهم يجرّونها من حبرة، و خواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام، و تصدّوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم و عليهم تلك الحلل و الخواتيم الذهب، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان، و عبد الرحمن بن عوف، و كانا معرفة لهم، كانا يجدعان العتائر إلى نجران في الجاهلية فيشتروا لهما من بزّها و ثمرها و ذرتها، فوجدوهما في ناس من المهاجرين و الأنصار في مجلس، فقالوا: يا عثمان و يا عبد الرحمن! إن نبيّكما كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلّمنا عليه فلم يردّ سلامنا، و تصدّينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلّمنا فما الرأي منكما: أ نعود أم نرجع؟ فقالا لعليّ بن أبي طالب و هو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال عليّ لعثمان و لعبد الرحمن رضي الله عنهم: أرى أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم و يلبسوا ثياب سفرهم، ثم يعودون إليه. ففعل وفد نجران ذلك، و وضعوا حللهم و خواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فسلموا فردّ بسلامهم ثم قال: «و الذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى و إنّ إبليس لمعهم». ثم ساءلهم و ساءلوه فلم تزل به و بهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا و نحن نصارى يسرّنا إن كنت نبيّا أن نعلم ما تقول فيه. فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: «ما عندي فيه شي ء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى». فأصبح الغد وقد أنزل الله عز و جل هذه الآية: إ«ِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرابٍ ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ من رَبِّكَ فَلا تَكُنْ من الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ» إلى قوله «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ» (آل عمران:59 -61) ....[1]

المنبع:

دلائل النبوة،ج 5، ص385 و 386

 

[1]دلائل النبوة،ج 5، ص385 و 386