دمشق‏
المجموعات : الأمکنة

دِمَشْق

هي الیوم عاصمة الجمهوریة العربیة السوریة و مرکز محافظة دمشق.

قال الحموي: دِمَشْق الشام؛ بكسر أوله و فتح ثانيه هكذا رواه الجمهور، و الكسر لغة فيه، و شين معجمة و آخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، و هي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة و نضارة بقعة و كثرة فاكهة و نزاهة رقعة و كثرة مياه و وجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، و ناقة دمشق، بفتح الدال و سكون الميم: سريعة، و ناقة دمشقة اللحم: خفيفة ..

قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، و عرضها ثلاث و ثلاثون درجة و نصف، و هي في الإقليم الثالث، و قال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام فهذا قول ابن الكلبي، و قال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف و هم السلف و هو الذي بنى قصبة دمشق، و قيل: أول من بناها بيوراسف، و قيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف و مائة و خمس و أربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، و ولد إبراهيم الخليل عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، و قيل: إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح عليه السلام، و سماها إرم ذات العماد، و قيل: إن هودا عليه السلام، نزل دمشق و أسس الحائط الذي في قبلي جامعها، و قيل: إن العازر غلام إبراهيم عليه السلام بنى دمشق و كان حبشيّا و هبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، و كان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه.

و كان إبراهيم عليه السلام قد جعله على كلّ شي ء له و سكنها الروم بعد ذلك، و قال غير هؤلاء: سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان و هو الذي بناها، و كان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، و قال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، و هو أخو فلسطين و أيلياء و حمص و الأردنّ، و بنى كلّ واحد موضعا فسمي به ...

و قد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح عليه السلام، و منشأ خشب السفينة من جبل لبنان و أنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، و قد روي عن كعب الأحبار: أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق و حرّان، و في الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق و أنه كان يزرع له الريحان و الورد و غير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ و قنطرة سوق التين، و كانت يومئذ سقيفة فوق العمد، و قال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد و دمشق مائتان و ثلاثون فرسخا.

و قالوا في قول الله عز و جل: وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ (المؤمنون:50) قال: هي دمشق ذات قرار و ذات رخاء من العيش و سعة و معين كثيرة الماء، و قال قتادة في قول الله عز و جل و التين قال: الجبل الذي عليه دمشق، و الزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، و طور سينين: شعب حسن، و هذا البلد الأمين: مكة، و قيل: إرم ذات العماد دمشق، و قال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق و نهر بلخ و نهر الأبلّة، و حشوش الدنيا ثلاثة: الأبلّة و سيراف و عمان، و قال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق و صغد سمرقند و شعب بوّان و جزيرة الأبلّة، و قد رأيتها كلها و أفضلها دمشق، و في الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، و عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: إنّ عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، و يقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون، و يقال: إنها كانت مأوى الأنبياء و مصلّاهم، و المغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى عليه السلام، و مسجدا إبراهيم عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين و الآخر في برزة، و مسجد القديم عند القطيعة، و يقال: إن هنا قبر موسى عليه السلام، و مسجد باب الشرقي الذي قال النبي صلى الله عليه و سلّم: إن عيسى عليه السلام، ينزل فيه، و المسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء عليه السلام، قتل هناك، و الحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود عليه السلام، و بها من قبور الصحابة و دورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان و هي معروفة إلى الآن.

قال المؤلف: و من خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها و جريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا و الماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه و يستقي الوارد و الصادر، و ما رأيت بها مسجدا و لا مدرسة و لا خانقاها إلّا و الماء يجري في بركة في صحن هذا المكان و يسحّ في ميضأة، و المساكن بها عزيزة لكثرة أهلها و الساكنين بها و ضيق بقعتها، و لها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، و هي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، و بها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، و بها مغاور كثيرة و كهوف و آثار للأنبياء و الصالحين لا توجد في غيرها، و بها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان و ما يقارب ذلك فتعمّ الكل، و قد وصفها الشعراء فأكثروا، و أنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، و أما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، و جملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشي ء إلا و في دمشق مثله، و من المحال أن يطلب بها شي ء من جليل أعراض الدنيا و دقيقها إلا و هو فيها أوجد من جميع البلاد، و فتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار و منازلة، و كان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل ابن حسنة، و كان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم و فتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، و دخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، و ملكوهم و كتبوا إلى عمر ابن الخطاب بالخبر و كيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.

و أما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال: هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام و ألّف على أحسن تركيب و نظام، و فوق ذلك فصّ أقداره متفقة و صنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا و يشتعل لهبا، و هو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات و فنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار و لا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار و الثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر و لا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، و قالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة و منارة الإسكندرية و كنيسة الرّها و مسجد دمشق، و كان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، و كان ذا همّة في عمارة المساجد...[1]

المنبع:

معجم البلدان، ج 2، ص464-466

 

[1]معجم البلدان، ج 2، ص464-466