زَمْزَم
بفتح أوّله، و سكون ثانيه، و تكرير الميم و الزاي: و هي البئر المباركة المشهورة، قيل: سميت زمزم لكثرة مائها، يقال: ماء زمزم و زمازم، و قيل: هو اسم لها و علم مرتجل، و قيل: سميت بضمّ هاجر أم إسماعيل، عليه السلام، لمائها حين انفجرت و زمّها إيّاه، و هو قول ابن عبّاس حيث قال: لو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شي ء، و قيل: سميت بذلك لأن سابور الملك لما حج البيت أشرف عليها و زمزم فيها، و الزمزمة: كلام المجوس و قراءتهم على صلاتهم و على طعامهم .... و قيل: بل سميت زمزم لزمزمة جبرائيل عليه السلام، و كلامه عليها، و قال ابن هشام: الزمزمة عند العرب الكثرة و الاجتماع ... و قال المسعودي: و الفرس تعتقد أنّها من ولد إبراهيم الخليل عليه السلام، و قد كانت أسلافهم تقصد البيت الحرام و تطوف به تعظيما لجدها إبراهيم و تمسكا بهديه و حفظا لأنسابها، و كان آخر من حجّ منهم ساسان بن بابك، و كان ساسان إذا أتى البيت طاف به و زمزم على هذه البئر ....
و لها أسماء و هي: زمزم و زمّم و زمّزم و زمازم و ركضة جبرائيل و هزمة جبرائيل و هزمة الملك، و الهزمة و الركضة بمعنى، و هو المنخفض من الأرض، و الغمزة بالعقب في الأرض يقال لها هزمة، و هي سقيا الله لإسماعيل عليه السلام، و الشّباعة و شباعة و برّة و مضنونة و تكتم و شفاء سقم و طعام طعم و شراب الأبرار و طعام الأبرار و طيّبة، و لها فضائل كثيرة، روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه، أنّه قال: كانت زمزم من أطيب المياه و أعذبها و ألذها و أبردها فبغت على المياه فأنبط الله فيها عينا من الصفا فأفسدتها، و روى ابن عباس عن النبيّ، صلى الله عليه و سلم، أنه قال: التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق، و ماء زمزم لما شرب له، قال مجاهد: ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاء شفاك الله و إن شربته لظمإ روّاك الله و إن شربته لجوع أشبعك الله، و قال محمد بن أحمد الهمذاني: و كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعا، و في قعرها ثلاث عيون: عين حذاء الركن الأسود، و أخرى حذاء أبي قبيس و الصفا، و أخرى حذاء المروة ثمّ قلّ ماؤها جدّا حتى كانت تجمّ، و ذلك في سنة 223 أو 224، فحفر فيها محمد بن الضحاك، و كان خليفة عمر بن فرج الرّخّجي على بريد مكّة و أعمالها، تسعة أذرع فزاد ماؤها و اتسع ثمّ جاء الله بالأمطار و السيول في سنة 225 فكثر ماؤها، و ذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه أحد عشر ذراعا و هو مطويّ و الباقي فهو منقور في الحجر، و هو تسعة و عشرون ذراعا، و ذرع تدويرها أحد عشر ذراعا، و سعة فمها ثلاثة أذرع و ثلثا ذراع، و عليها ميلا ساج مربعان فيهما اثنتا عشرة بكرة ليستقى عليها، و أوّل من عمل الرخام عليها و فرش أرضها بالرخام المنصور، و على زمزم قبة مبنية في وسط الحرم عن باب الطواف تجاه باب الكعبة، و في الخبر: أن إبراهيم عليه السلام لما وضع إسماعيل بموضع الكعبة و كرّ راجعا قالت له هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله، قالت: حسبنا الله، فرجعت و أقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها و انقطع درّها فغمها ذلك و أدركتها الحنة على ولدها فتركت إسماعيل في موضعه و ارتقت على الصفا تنظر هل ترى عينا أو شخصا، فلم تر شيئا فدعت ربّها و استسقته ثمّ نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك، ثمّ سمعت أصوات السباع فخشيت على ولدها فأسرعت تشتد نحو إسماعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خده، و قيل: بل من تحت عقبه، قيل: فمن ذلك العدو بين الصفا و المروة استنانا بهاجر لما عدت لطلب ابنها لخوف السباع، قالوا: فلمّا رأت هاجر الماء سرّت به و جعلت تحوطه بالتراب لئلا يسيل فيذهب و لو لم تفعل ذلك لكان عينا جارية ... و من الناس من ينكر ذلك و يقول: إن إسماعيل حفره بالمعاول و المعالجة كسائر المحفورات، و الله أعلم، و قد كان ذلك محفورا عندهم قبل الإسلام ....
قالوا: و تطاولت الأيّام على ذلك حتى غوّرت تلك السيول و عفتها الأمطار فلم يبق لزمزم أثر يعرف، فذكر محمد بن إسحاق فيما رفعه إلى عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه أن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم، فقال: و ما زمزم؟ قالوا: لا تنزف و لا تهدم، تسقي الحجيج الأعظم، و هي بين الفرث و الدّم، عند نقرة الغراب الأعصم، فغدا عبد المطلب و معه الحارث ابنه ليس له يومئذ ولد غيره فوجد الغراب ينقر بين إساف و نائلة، فحفر هنالك فلمّا بدا الطيّ كبّر فاستشركته قريش و قالوا: إنّها بئر أبينا إسماعيل و لنا فيها حق، فأبى أن يعطيهم حتى تحاكموا إلى كاهنة بني سعد بأشراف الشام، فركبوا و ساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم فظمئوا و أيقنوا بالهلكة فانفجرت من تحت خف عبد المطلب عين من ماء فشربوا منها و عاشوا و قالوا: قد، و الله قضي لك علينا أن لا نخاصمك فيها أبدا، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، فانصرفوا، فحفر زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب و أسيافا قلعية كانت جرهم دفنتها عند خروجهم من مكّة، فضرب الغزالين بباب الكعبة و أقام عبد المطلب سقاية زمزم للحاج ....[1]
المنبع:
معجم البلدان،ج 3، ص148 و 149
[1]معجم البلدان،ج 3، ص148 و 149