غزوة أحد
وقعت هذه الغزوة بین المسلمین و قبیلة قریش في یوم السبت، السابع من شهر شوال في العام الثالث للهجرة. و کان جیش المسلمین بقیادة رسول الله صلی الله علیه و آله، و أما قبیلة قریش فکانت بقیادة أبی سفیان بن حرب. و هي ثاني غزوة کبیرة یخوضها المسلمون حیث حصلت بعد عام واحد من غزوة بدر. و سمیت الغزوة بهذا الإسم نسبة الی جبل أحد بالقرب من المدینة المنورة، الذي وقعت الغزوة في أحد السفوح الجنوبیة له.
و کان السبب الرئیسي للغزوة هو رغبة قریش في الانتقام من المسلمین بعد أن الحقوا بها الهزیمة في غزوة بدر. و من أجل استعادة مکانتها بین القبائل العربیة التي تضررت بعد غزوة بدر، فقامت بجمع حلفائها لمهاجمة المسلمین في المدینة المنورة. و کان عدد المقاتلین من قریش و حلفائها حوالي ثلاثة آلاف، في حین کان عدد المقاتلین المسلمین حوالي ألف، و انسحب منهم حوالي ثلاثمائة لیصبح عددهم سبعمائة مقاتل. و قتل سبعون من المسلمین في الغزوة في حین قتل اثنان و عشرون من قریش و حلفائها.[1]
[قصة غزوة أحد علی ما جاء في السیرة النبوية لإبن هشام]:
قال ابن هشام: كان من حديث أحد، كما حدثني محمد بن مسلم الزّهرى و محمد بن يحيى ابن حبّان و عاصم بن عمر بن قتادة و الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ و غيرهم من علمائنا، كلّهم قد حدّث بعض الحديث عن يوم أحد، و قد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا، أو من قاله منهم: لما أصيب يوم بدر من كفّار قريش أصحاب القليب، و رجع فلّهم إلى مكة، و رجع أبو سفيان بن حرب بعيره، مشى عبد الله بن أبى ربيعة، و عكرمة بن أبى جهل، و صفوان بن أميّة، في رجال من قريش، ممن أصيب آباؤهم و أبناؤهم و إخوانهم يوم بدر، فكلّموا أبا سفيان بن حرب، و من كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم، و قتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا، ففعلوا.
(ما نزل في ذلك من القرآن):
قال ابن إسحاق: ففيهم، كما ذكر لي بعض أهل العلم، أنزل الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» (الأنفال:36)
(اجتماع قريش للحرب):
فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين فعل ذلك أبو سفيان ابن حرب، و أصحاب العير بأحابيشها، و من أطاعها من قبائل كنانة، و أهل تهامة ... و دعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيّا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلّما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس، فان أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعمّي طعيمة بن عدىّ، فأنت عتيق.
(خروج قريش معهم نساؤهم):
قال: فخرجت قريش بحدّها و جدّها و حديدها و أحابيشها، و من تابعها من بنى كنانة، و أهل تهامة، و خرجوا معهم بالظّعن التماس الحفيظة، و ألا يفروا. فخرج أبو سفيان بن حرب، و هو قائد الناس، بهند بنت عتبة و خرج عكرمة بن أبى جهل بأمّ حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة و خرج الحارث ابن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، و خرج صفوان بن أميّة ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثّقفيّة، و هي أم عبد الله بن صفوان ابن أميّة. قال ابن هشام: و يقال: رقيّة.
قال ابن إسحاق: و خرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبّه بن الحجّاج و هي أم عبد الله بن عمرو، و خرج طلحة بن أبى طلحة و أبو طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار، بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصاريّة و هي أمّ بنى طلحة: مسافع و الجلاس و كلاب، قتلوا يومئذ هم و أبوهم، و خرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بنى مالك بن حسل مع ابنها أبى عزيز بن عمير، و هي أمّ مصعب بن عمير، و خرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة. و كانت هند بنت عتبة كلّما مرّت بوحشىّ أو مرّ بها، قالت: ويها أبا دسمة اشف و استشف، و كان وحشيّ يكنى بأبي دسمة، فأقبلوا حتى تزلوا بعينين، بجبل ببطن السّبخة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة.
(رؤيا رسول الله صلى الله عليه و سلم):
قال: فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون قد نزلوا حيث نزلوا، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلمين: إني قد رأيت و الله خيرا، رأيت بقرا، و رأيت في ذباب سيفي ثلما، و رأيت أنى أدخلت يدي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة.
قال ابن هشام: و حدثني بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: رأيت بقرا لي تذبح. قال: فأما البقر فهي ناس من أصحابى يقتلون، و أما الثّلم الّذي رأيت في ذباب سيفي، فهو رجل من أهل بيتي يقتل.
(مشاورة الرسول القوم في الخروج أو البقاء):
قال ابن إسحاق: فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة و تدعوهم حيث نزلوا، فان أقاموا أقاموا بشرّ مقام، و إن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها و كان رأى عبد الله بن أبىّ ابن سلول مع رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم، يرى رأيه في ذلك، و ألا يخرج إليهم، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكره الخروج، فقال رجال من المسلمين، ممن أكرم الله بالشّهادة يوم أحد و غيره، ممّن كان فاته بدر: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنّا عنهم و ضعفنا؟ فقال عبد الله بن أبىّ بن سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قطّ إلا أصاب منّا، و لا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فان أقاموا أقاموا بشرّ محبس و إن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم، و رماهم النّساء و الصّبيان بالحجارة من فوقهم، و إن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. فلم يزل النّاس برسول الله صلى الله عليه و سلم، الذين كان من أمرهم حبّ لقاء القوم، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيته، فلبس لأمته، و ذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة. و قد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له: مالك بن عمرو، أحد بنى النجّار، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم خرج عليهم، و قد ندم الناس، و قالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و لم يكن لنا ذلك. فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم، قالوا: يا رسول الله: استكرهناك و لم يكن ذلك لنا، فان شئت فاقعد صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما ينبغي لنبىّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ألف من أصحابه. قال ابن هشام: و استعمل ابن أم مكتوم على الصّلاة بالناس.
(انخذال المنافقين):
قال ابن إسحاق: حتى إذا كانوا بالشّوط بين المدينة و أحد، انخزل عنه عبد الله بن أبىّ بن سلول بثلث الناس، و قال: أطاعهم و عصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس فرجع بمن اتّبعه من قومه من أهل النّفاق و الرّيب، و اتّبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو بنى سلمة، يقول: يا قوم، أذكِّركم الله ألّا تخذلوا قومكم و نبيّكم عند ما حضر من عدوّهم، فقالوا: لو نعلم أنّكم تقاتلون لما أسلمناكم، و لكنّا لا نرى أنه يكون قتال. قال: فلما استعصوا عليه و أبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيّه.
قال ابن هشام: و ذكر غير زياد، عن محمد بن إسحاق عن الزّهرى: أن الأنصار يوم أحد، قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: لا حاجة لنا فيهم. ...
(نزول الرسول بالشعب و تعبيته للقتال):
قال: و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل الشّعب من أحد، في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره و عسكره إلى أحد، و قال: لا يقاتلنّ أحد منكم حتى نأمره بالقتال. و قد سرّحت قريش الظّهر و الكراع في زروع كانت بالصّمغة، من قناة للمسلمين: فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القتال: أ ترعى زروع بنى قيلة و لما نضارب! و تعبّى رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتال، و هو في سبع مائة رجل، و أمّر على الرّماة عبد الله بن جبير، أخا بنى عمرو بن عوف و هو معلم يومئذ بثياب بيض، و الرّماة خمسون رجلا، فقال: انضح الخيل عنّا بالنّبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتينّ من قبلك. و ظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين، و دفع اللّواء إلى مصعب ابن عمير، أخى بنى عبد الدّار. ...
(أسلوب أبى سفيان في تحريض قريش):
قال ابن إسحاق: و قد قال أبو سفيان لأصحاب اللّواء من بنى عبد الدّار يحرّضهم بذلك على القتال: يا بنى عبد الدّار، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، و إنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا، و إمّا أن تخلّوا بيننا و بينه فنكفيكموه، فهمّوا به و تواعدوه، و قالوا: نحن نسلم إليك لواءنا، ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع! و ذلك أراد أبو سفيان.
(تحريض هند و النسوة معها):
فلما التقى الناس، و دنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النّسوة اللاتي معها، و أخذن الدّفوف يضربن بها خلف الرجال، و يحرّضنهم ...
(شعار المسلمين):
و كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلّم يوم أحد: أمت، أمت، فيما قال ابن هشام.
(مقتل حمزة):
و قاتل حمزة بن عبد المطّلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدّار، و كان أحد النّفر الذين يحملون اللّواء ثم مرّ به سباع ابن عبد العزّى الغبشانى، و كان يكنى بأبي نيار، فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا بن مقطّعة البظور- و كانت أمّه أمّ أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثّقفي. قال ابن هشام: شريق بن الأخنس بن شريق. و كانت ختّانة بمكة فلمّا التقيا ضربه حمزة فقتله.
قال وحشيّ (غلام جبير بن مطعم): و الله إني لأنظر إلى حمزة يهدّ الناس بسيفه ما يليق به شيئا، مثل الجمل الأورق إذ تقدّمنى إليه سباع بن عبد العزّى، فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا بن مقطّعة البظور، فضربه ضربة، فكأنّ ما أخطأ رأسه، و هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنّته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغلب فوقع، و أمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي، ثم تنحّيت إلى العسكر، و لم تكن لي بشي ء حاجة غيره...
قال ابن إسحاق: فحدّثني حميد الطّويل، عن أنس بن مالك، قال: كسرت رباعية النبيّ صلى الله عليه و سلم يوم أحد، و شجّ في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، و جعل يمسح الدم و هو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، و هو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عزّ و جلّ في ذلك: «لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ» (آل عمران:128) قال ابن هشام: و ذكر ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ عن أبيه، عن أبى سعيد الخدريّ: أن عتبة بن أبى وقّاص رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ، فكسر رباعيته اليمنى السّفلى، و جرح شفته السّفلى، و أن عبد الله ابن شهاب الزهري شجّه في جبهته، و أن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، و وقع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، و هم لا يعلمون، فأخذ عليّ بن أبى طالب بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم، و رفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما، و مصّ مالك بن سنان، أبو أبى سعيد الخدريّ، الدم: عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مسّ دمي دمه لم تصبه النار. ...
.. عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة، عن عائشة، عن أبى بكر الصدّيق: أن أبا عبيدة بن الجرّاح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فسقطت ثنيّته، ثم نزع الأخرى، فسقطت ثنيّته الأخرى، فكان ساقط الثنيّتين.
(هند و تمثيلها بحمزة):
قال ابن إسحاق: و وقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، و النسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، يجدّ عن الآذان و الآنف، حتى اتخذت هند من آذان الرّجال و آنفهم خدما و قلائد، و أعطت خدمها و قلائدها و قرطتها وحشيّا، غلام جبير بن مطعم، و بقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها ...
(شماتة أبى سفيان بالمسلمين بعد أحد و حديثه مع عمر):
ثم إن أبا سفيان بن حرب، حين أراد الانصراف، أشرف على الجبل، ثم صرخ بأعلى صوته فقال: أنعمت فعال ، و إن الحرب سجال يوم بيوم، أعل هبل، أي أظهر دينك، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قم يا عمر فأجبه، فقل: الله أعلى و أجلّ، لا سواء، قتلانا في الجنّة، و قتلاكم في النّار. فلما أجاب عمر أبا سفيان، قال له أبو سفيان: هلمّ إليّ يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر: ائته فانظر ما شأنه، فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أ قتلنا محمدا؟ قال عمر: اللَّهمّ لا، و إنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة و أبرّ، لقول ابن قمئة لهم: إني قد قتلت محمدا. قال ابن هشام: و اسم ابن قمئة عبد الله.
(توعد أبى سفيان المسلمين):
قال ابن إسحاق: ثم نادى أبو سفيان: إنه قد كان في قتلاكم مثل، و الله ما رضيت، و ما سخطت، و ما نهيت، و ما أمرت. و لما انصرف أبو سفيان و من معه، نادى: إن موعدكم بدر للعام القابل، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل من أصحابه: قل: نعم، هو بيننا و بينكم موعد.
(خروج على في آثار المشركين):
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عليّ بن أبى طالب، فقال: اخرج في آثار القوم، فانظر ما ذا يصنعون و ما يريدون فان كانوا قد جنّبوا الخيل، و امتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، و إن ركبوا الخيل و ساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، و الّذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثم لأناجزنهم قال عليّ: فخرجت في آثارهم انظر ما ذا يصنعون، فجنّبوا الخيل، و امتطوا الإبل، و وجّهوا إلى مكة.
(مر القتلى بأحد):
و فرغ الناس لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة المازني، أخو بنى النّجّار: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أ في الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا انظر لك يا رسول الله ما فعل سعد، فنظر فوجده جريحا في القتلى و به رمق. قال: فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنى أن انظر، أ في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم عنى السلام، و قل له: إن سعد بن الرّبيع يقول لك: جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّا عن أمته، و ابلغ قومك عنى السلام و قل لهم: إن سعد ابن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيّكم صلى الله عليه و سلم و منكم عين تطرف. قال: ثم لم أبرح حتى مات، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته خبره.
قال ابن هشام: و حدثني أبو بكر الزّبيرى: أنّ رجلا دخل على أبى بكر الصدّيق، و بنت لسعد بن الرّبيع جارية صغيرة على صدره يرشفها و يقبلها، فقال له الرجل: من هذه؟ قال: هذه بنت رجل خير منى، سعد ابن الرّبيع، كان من النّقباء يوم العقبة، و شهد بدرا، و استشهد يوم أحد
(حزن الرسول على حمزة و توعده المشركين بالمثلة):
قال ابن إسحاق: و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم، فيما بلغني، يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، و مثّل به، فجدع أنفه و أذناه.
فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حين رأى ما رأى: لو لا أن تحزن صفيّة، و يكون سنّة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السّباع، و حواصل الطير، و لئن أظهرنى الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم. فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم و غيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: و الله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب.
قال ابن هشام: و لما وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على حمزة قال: لن أصاب بمثلك أبدا! ما وقفت موقفا قطّ أغيظ إليّ من هذا! ثم قال: جاءني جبريل فأخبرني أنّ حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة ابن عبد المطلب، أسد الله، و أسد رسوله. و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و حمزة و أبو سلمة بن عبد الأسد، إخوة من الرضاعة، أرضعتهم مولاة لأبى لهب.
(ما نزل في النهى عن المثلة):
قال ابن إسحاق: و حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، و حدثني من لا أتهم، عن ابن عبّاس: أن الله عزّ و جلّ أنزل في ذلك، من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قول أصحابه: «و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، و لئن صبرتم لهو خير للصّابرين. و اصبر و ما صبرك إلّا باللَّه، و لا تحزن عليهم، و لا تك في ضيق ممّا يمكرون»، فعفا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و صبر و نهى عن المثلة.
قال ابن إسحاق: و حدثني حميد الطويل، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقام قطّ ففارقه، حتّى يأمرنا بالصّدقة، و ينهانا عن المثلة.
(صلاة الرسول على حمزة و القتلى):
قال ابن إسحاق: و حدثني من لا أتهم عن مقسم، مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عبّاس، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمزة فسجّى ببردة ثم صلى عليه، فكبّر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم و عليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين و سبعين صلاة.
(صفية و حزنها على حمزة):
قال ابن إسحاق: و قد أقبلت فيما بلغني، صفيّة بنت عبد المطّلب لتنظر إليه، و كان أخاها لأبيها و أمّها، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لابنها الزّبير بن العوّام: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فقال لها: يا أمّه، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرك أن ترجعى، قالت: و لم؟ و قد بلغني أن قد مثل بأخي، و ذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنّ و لأصبرن إن شاء الله. فلما جاء الزّبير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك، قال: خلّ سبيلها، فأتته، فنظرت إليه، فصلّت عليه، و استرجعت، و استغفرت له، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفن...
(دفن الشهداء):
قال ابن إسحاق: و كان قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة، فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك، و قال: ادفنوهم حيث صرعوا. قال ابن إسحاق: و حدثني محمد بن مسلم الزّهرىّ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بنى زهرة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لمّا أشرف على القتلى يوم أحد، قال: أنا شهيد على هؤلاء، إنه ما من جريح يجرح في الله، إلا و الله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون دم و الريح ريح مسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر- و كانوا يدفنون الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد. قال: و حدثني عمّى موسى بن يسار، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم: ما من جريح يجرح في الله إلا و الله يبعثه يوم القيامة و جرحه يدمي، اللّون لون دم، و الرّيح ريح مسك. قال ابن إسحاق: و حدثني أبى إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بنى سلمة:
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال يومئذ، حين أمر بدفن القتلى: انظروا إلى عمرو بن الجموح، و عبد الله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، فاجعلوهما في قبر واحد...
(بكاء نساء الأنصار على حمزة):
قال ابن إسحاق: و مرّ رسول الله صلى الله عليه و سلم بدار من دور الأنصار من بنى عبد الأشهل و ظفر، فسمع البكاء و النّوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فبكى، ثم قال: لكنّ حمزة لا بواكي له! فلما رجع سعد بن معاذ و أسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزّمن، ثم يذهبن فيبكين على عمّ رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال ابن إسحاق: حدثني حكيم بن حكيم عن عبّاد بن حنيف، عن بعض رجال بنى عبد الأشهل، قال: لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بكاءهنّ على حمزة خرج عليهنّ و هنّ على باب مسجده يبكين عليه، فقال: ارجعن يرحمكنّ الله، فقد آسيتنّ بأنفسكن. قال ابن هشام: و نهى يومئذ عن النّوح.
قال ابن هشام: و حدثني أبو عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سمع بكاءهنّ، قال: رحم الله الأنصار! فان المواساة منهم ما عتّمت لقديمة، مروهنّ فلينصرفن...
(غسل السيوف):
قال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنيّة، فو الله لقد صدقنى اليوم، و ناولها عليّ بن أبى طالب سيفه، فقال: و هذا أيضا، فاغسلي عنه دمه، فو الله لقد صدقنى اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف و أبو دجانة. قال ابن هشام: و كان يقال لسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم: ذو الفقار.
قال ابن هشام: و حدثني بعض أهل العلم، أن ابن أبى نجيح قال: نادى مناد يوم أحد:
لا سيف إلا ذو الفقار، و لا فتى إلا عليّ
قال ابن هشام: و حدثني بعض أهل العلم: أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلىّ بن أبى طالب: لا يصيب المشركون منّا مثلها حتى يفتح الله علينا. قال ابن إسحاق: و كان يوم أحد يوم السّبت للنّصف من شوّال...[2]
المنابع:
السيرةالنبوية،ج 2،ص60 الی 100
المغازي،ج 1،ص199
الكامل،ج 2،ص148
الموسوعة الحرة(ویکیبیدیا)
[1]السيرةالنبوية،ج 2،ص60، المغازي،ج 1،ص199، الموسوعة الحرة(ویکیبیدیا)
[2]السيرةالنبوية،ج 2،ص60 الی 100