معاویة بن أبي سفیان
و اسم أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، و أمّه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، يكنى أبا عبد الرحمن، كان هو و أبوه و أخوه من مسلمة الفتح. و قد روى عن معاوية أنه قال: أسلمت يوم القضية، و لقيت النبي صلى الله عليه و سلم مسلما.
قال أبو عمر: معاوية و أبوه من المؤلفة قلوبهم، ذكره في ذلك بعضهم، و هو أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم، و ولّاه عمر على الشام عند موت أخيه يزيد. و قال صالح بن الوجيه: في سنة تسع عشرة كتب عمر إلى يزيد بن أبى سفيان يأمره بغزو قيسارية، فغزاها، و بها بطارقة الروم، فحاصرها أياما، و كان بها معاوية أخوه، فخلفه عليها، و صار يزيد إلى دمشق، فأقام معاوية على قيسارية حتى فتحها في شوال سنة تسع عشرة. و توفى يزيد في ذي الحجة من ذلك العام في دمشق، و استخلف أخاه معاوية على عمله، فكتب إليه عمر بعهده على ما كان يزيد يلي من عمل الشام، و رزقه ألف دينار في كل شهر، هكذا قال صالح بن الوجيه، و خالفه الوليد بن مسلم.
حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أبو الميمون، حدثنا أبو زرعة، حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم- أنّ فتح بيت المقدس كان سنة ست عشرة صلحا، و أنّ عمر شهد فتحها في حين دخوله الشام قال: و في سنة تسع عشرة كان فتح جلولاء، و أميرها سعد بن أبى وقاص، ثم كانت قيسارية في ذلك العام، و أميرها معاوية بن أبى سفيان. و ذكر الدولابي، عن الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن أبى إسماعيل محمد بن عبد الله البصري، قال: جزع عمر على يزيد جزعا شديدا، و كتب إلى معاوية بولايته الشام، فأقام أربع سنين، و مات، فأقرّه عثمان عليها اثنتي عشرة سنة إلى أن مات، ثم كانت الفتنة، فحارب معاوية عليّا خمس سنين.
قال أبو عمر: صوابه أربع سنين، و قال غيره: ورد البريد بموت يزيد على عمر، و أبو سفيان عنده، فلما قرأ الكتاب بموت يزيد قال لأبى سفيان: أحسن الله عزاك في يزيد و رحمه، ثم قال له أبو سفيان: من ولّيت مكانه يا أمير المؤمنين؟ قال: أخاه معاوية، قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين.
و قال عمر إذ دخل الشام، و رأى معاوية: هذا كسرى العرب، و كان قد تلقّاه معاوية في موكب عظيم، فلما دنا منه قال له: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: مع ما يبلغني من وقوف ذوى الحاجات ببابك! قال: مع ما يبلغك من ذلك. قال: و لم تفعل هذا؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدوّ بها كثيرة. فيجب أن نظهر من عزّ السلطان ما نرهبهم به، فإن أمرتنى فعلت، و إن نهيتني انتهيت. فقال عمر لمعاوية: ما أسألك عن شي ء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، إن كان ما قلت حقا إنه لرأى أريب، و إن كان باطلا إنه لخدعة أديب. قال: فمرني يا أمير المؤمنين. قال: لا آمرك و لا أنهاك. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه! قال: لحسن مصادره و موارده جشمناه ما جشمناه....
قال أبو عمر: كان معاوية أميرا بالشام نحو عشرين سنة، و خليفة مثل ذلك، كان من خلافة عمر أميرا نحو أربعة أعوام، و خلافة عثمان كلها- اثنتي عشرة سنة، و بايع له أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع و ثلاثين، و اجتمع الناس عليه حين بايع له الحسن بن على و جماعة ممن معه، و ذلك في ربيع أو جمادى سنة إحدى و أربعين، فيسمّى عام الجماعة. و قد قيل: إن عام الجماعة كان سنة أربعين، و الأول أصحّ. قال ابن إسحاق: كان معاوية أميرا عشرين سنة، و خليفة عشرين سنة. و قال غيره: كانت خلافته تسع عشرة سنة و تسعة أشهر و ثمانية و عشرين يوما. و توفى في النصف من رجب سنة ستين بدمشق، و دفن بها، و هو ابن ثمان و سبعين سنة. و قيل: ابن ست و ثمانين. قال الوليد بن مسلم: مات معاوية في رجب سنة ستين، و كانت خلافته تسع عشرة سنة و نصفا. و قال غيره: توفى معاوية بدمشق، و دفن بها يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة تسع و خمسين، و هو ابن اثنتين سنة، ثمانين سنة، و كانت خلافته تسع عشرة سنة و ثلاثة أشهر و عشرين يوما .....
و قال ابن بكير، عن الليث: توفى معاوية في رجب لأربع ليال بقين منه سنة ستين، و قال: إنه أول من جعل ابنه ولّى العهد خليفة بعده في صحته و قال الزبير: هو أول من اتخذ ديوان الخاتم، و أمر بهدايا النيروز و المهرجان. و اتخذ المقاصير في الجوامع و أوّل من قتل مسلما صبرا حجرا و أصحابه. و أول من أقام على رأسه حرسا. و أول من قيدت بين يديه الجنائب. و أول من اتخذ الخصيان في الإسلام و أول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة. و كان يقول: أنا أول الملوك.
قال أبو عمر: روى عنه من الصحابة طائفة و جماعة من التابعين بالحجاز و الشام و العراق...[1]
کان معاویة - في إذهان البعض (من أهل السنة)- مشهوراً بالدهاء و حسن السیاسة و التدبیر و یعظمونه جدّاً.
و الحقّ عندنا أن کیاسة هذا الرجل و سیاسته مصحوبة بالخداع و الجور کما قال الإمام علي علیه السلام في شأنه: «و الله ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر و يفجر و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس و لكن كل غدرة فجرة و كل فجرة كفرة و لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة»[2] و لم یکن الرجل مؤمناً بما جاء به محمد صلی الله علیه و آله قطّ، بل کان ممن آمنوا بعد فتح مکة خوفا علی أنفسهم و کرها!!، و کان هو من الطلقاء و المؤلفة قلوبهم، و لا هو مخلصاً في عمله و إنما کان یرید الإمارة و السلطنة، و هي غایة مبتغاه و مطلوبه کما صرح به في قوله: «إني و الله ما قاتلتكم لتصلّوا، و لا لتصوموا، و لا لتحجوا، و لا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك. و إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون».[3]
المنابع:
الاستيعاب،ج 3،ص1416
نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص 318
مقاتل الطالبيين،ص77
[1]الاستيعاب،ج 3،ص1416
[2]نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص 318
[3]مقاتل الطالبيين،ص77